رواية المنطقة المحرمة

المنطقة المحرمة

بقلم,

تاريخية

مجانا

أليرا، بنت من قرية "أدايموس" المحبوسة، بتحلم بالدنيا اللي ورا الغابة المحرمة اللي الكل بيخاف منها. أهل القرية عايشين على حكايات عن وحوش، وهي الوحيدة اللي حاسة إنها مختلفة بسبب علامات على جلدها. فضولها بيخليها تشك في كل حاجة حواليها، خصوصاً الملك البعيد اللي بيحميهم. بس الخوف بيتحول لحقيقة لما جثة متقطعة بتظهر عند مدخل الغابة. ده بيثبت إن الوحوش مش مجرد حكايات، وإن الخطر حقيقي وقريب أوي.

أليرا

بنت عندها فضول كبير وعندها علامات غريبة على دراعها مخلياها حاسة إنها منبوذة. بتحلم تهرب من القرية وتكتشف الغابة.

إيميلدا

قريبة أليرا. عاقلة وبتخاف وبتصدق في القواعد والملك، وبتحاول تحافظ على أليرا في أمان.

خورخي

شاب خجول وطيب شغال في السوق ومعجب بكِنا.
روابة المنطقة المحرمة
صورة الكاتب

وصلوا في عز الليل. قرية "أدايموس"، اللي كانت مرمية في الريف، مكنتش أكتر من مجرد ضوء باهت وسط مجموعة الشجر اللي مغطيها الضل. مكان محدش بيروحله ومحدش بيطلع منه. قرية بتخاف من الغابة واللي جواها.

أنسب حتة عشان الواحد يستخبى فيها.

ست خرجت من بين الشجر، وعبايتها مدارية وشها وهي بتعرج لقدام، والطفل لسه في إيديها. قالت: "هو ده المكان؟". جنبها، راجل خرج من الغابة.

الراجل رد: "أدايموس". وهو بيزق عبايتها بالراحة عشان يبان الطفل الصغير اللي نايم في إيديها. الرضيع كان كأنه بيشع نور. "الطفلة دي مينفعش تعرف أبداً. مينفعش حد يلاقيها أبداً".

فضلوا يعرجوا لقدام. القرية كانت نايمة وهم مستخبيين في ضل الأكواخ؛ ضوء الشموع الباهت كان بيرعش من الشبابيك. كانوا متغطيين بالضلمة والسكون.

لما وصلوا لقلب القرية، كان فيه راجل واقف عند البير. الحارس نده لما شافها: "يا آنسة". "أنتِ كويسة؟"

الست فضلت ماشية ناحيته وهي ساكتة، وصاحبها مستخبي في الضل. لما وصلت للحارس، مالت لقدام وراحت زالقة غطا راس عبايتها عشان تكشف وشها. عينيه جت في عينيها، ووسعت أوي من الخضة.

همست: "نام". جسمه ارتخى ووقع على الأرض.

صاحبها جره من كعب رجله ناحية صف الشجر. الست اتحركت لقدام وبصت من شباك أوضة النوم. كان فيه طفل في السرير الصغير اللي تحت الشباك، شبه الطفل اللي في إيديها بالظبط.

مدت إيديها من الشباك وشالت الطفل بسرعة، وبدلته باللي كان في إيديها. شمعة نورت فجأة بره الأوضة.

الست وطت، ورجعت تستخبى في ضل الشجر – وطفل تاني في إيديها. بصت من فوق كتفها وشافت نار منورة السما، والنار دي طالعة من الكوخ اللي لسه حاطة فيه الطفل. ابتسمت.

بعد تلاتة وخمسين يوم بالظبط، لقوا الست وصاحبها في الغابة المحرمة ودباغهم مقطوعة. والرضيع مكنش ليه أي أثر.







الشجر اللي في الغابة المحرمة بيراقبني وأنا ساندة على حيطان البير الحجر. شجر عالي، ومهيب، وضلمة. مخلب خوف بيزغزغ ضهري. الشجر ده بيعلى بكتير عن الأسوار الخشب اللي بتحمي "أدايموس" من العالم اللي بره اللي كله تهديد.

نسمة هوا خفيفة بتعمل موجات صغيرة في المية اللي في قعر البير. نفضت إيدي في فستاني ووطيت عشان أشيل الجردل اللي بعتوني أجيب بيه مية. أوقات، بحلم إني أعدي البوابات وأتوه في أعماق الغابة. بحلم بلمسة ورق الشجر على جلدي، وريحة الصنوبر، والرغبة الكبيرة أوي إني أهرب. بس الخوف بيشلني. فيه حاجة في الغابة دي بتستفز؛ هي حلوة وغامضة، وفي نفس الوقت، هي هي الحاجة اللي حبسانا جوه "أدايموس".

"أليرا!" صوت رفيع سرسع في القرية كلها. إيميلدا. أنا سرحت أوي مع الغابة لدرجة إني نسيت أنا كنت عند البير بعمل إيه أصلاً.

من ورا السوق وكوخ الحارس، إيميلدا جاية ناحيتي مندفع، حاطة إيديها في وسطها، ورابطة مريلة حوالين وسطها. زعقت وقالت: "المفروض كنتي بتجيبي مية".

بصيت للجردل الفاضي اللي جنبي وبعدين بصيت تاني لإيميلدا. كان فيه لطعة دقيق على خدها—باينها كانت بتخبز. "أنا عارفة يا إيميلدا، بس أنا—

"بابا بعتك من نص ساعة. المشي للبير بياخد 5 دقايق."

"أنا سرحت."

"أنتِ دايماً بتسرحي." نبرتها كانت حادة بس ملامحها هديت. اتنهدت. "كنتي بتفكري في الغابة تاني، مش كده؟"

رجعت بصيت للغابة المشؤومة اللي فصلانا عن باقي الدنيا. إيميلدا مدت إيدها وشالت غصن صغير كان متشابك في شعري الباهت وبعدين قعدت على حافة البير جنبي، ودراعها لمس دراعي.

الغابة بتخلي جلدي يقشعر من الخوف، بس فيه حاجة تانية كمان. أنا في "أدايموس" طول عمري، عمري ما خرجت، ومحدش بيخرج أبداً بسبب الحكايات عن الغابة. بس يمكن كل دي مجرد، حكايات بتمنعنا نمشي؟

سألتها: "عمرك ما جالك فضول؟". "فيه كل الحكايات والقصص دي بس مفيش حاجة حصلت بجد."

"مفيش حاجة حصلت عشان محدش دخل الغابة. لو مشينا على القواعد، هنبقى في أمان." إيميلدا طبطبت على ركبتي، وعينيها الزرقا واسعة. "الملك فيرلاك واعدنا بأماننا لو فضلنا جوه أسوار أدايموس."

"الملك فيرلاك في القصر. إزاي يعني المفروض يوعدنا بأماننا؟"

قرية أدايموس، اللي قاعدة على أطراف ڤايما، بتقع تحت حكم الملك فيرلاك، اللي بيعرفنا بوجوده عن طريق الإعلانات الورقية اللي في القرية اللي بتعلن عن خطوبة ابنه الجديدة. بس غير الظهور العرضي لإعلانات جديدة بتروج له، هو مجرد شخص بعيد عمرنا ما هنعرفه. محدش في أدايموس زار القصر، والملك فيرلاك عمره ما زار أدايموس. ومش فاكرة إن ده ممكن يتغير أبداً.

"متخافيش يا أليرا. هو ملك كويس. هو حمانا من مملكة أوسيرنيكا طول فترة حكمه. يالا." إيميلدا وقفت، وسندت إيدها على دراعي. "الأحسن نروح بيتنا."

مشيت وراها في القرية، وعقلي لسه مع الملك. القصر بعيد قد إيه؟ الواحد محتاج يقضي كام يوم في الغابة المحرمة عشان يوصله؟

في السوق، الشمس بتنور من خلال الغطا، وعاملة شكل شبكة على الأرض الحصى. إيميلدا شدت دراعي فسرعت خطوتي. عدينا على كذا واحد من أهل القرية متمشين في الشارع، وهزوا راسهم وهما معديين، لإيميلدا أكتر مني. في أدايموس، كل الناس شكلهم زي بعض. بنتصرف زي بعض، وبنتكلم زي بعض، وبنلبس نفس الهدوم وناكل نفس الأكل. بس رغم إن أنا وإيميلدا لينا نفس لون الشعر والعينين، فيه حاجة بتميزني عن الباقيين—جلد بايظ. من ساعة ما أفتكر، وأنا عندي علامات من كتفي لحد كوعي—كأن حد جاب سيف سخن ومشاه على جلدي.

بابا قالي إن ده بيخليني مميزة؛ كنت عارفة ده معناه إيه. ده خلاني منبوذة. العيال كانوا بيتوشوشوا من ورا ضهري وأنا صغيرة ودلوقتي الناس بتتكلم عليا في الضلمة. لما كبرت، بطلت ألبس فساتين بنص كم. دلوقتي، عمري ما بلبس حاجة تبين العلامات. أسهل للناس إنهم يتظاهروا إنك طبيعية لما ميكنوش شايفين الحاجة اللي بتميزك.

سألت إيميلدا: "بابا محتاج مساعدة في تصميماته الليلة؟".

"مش الليلة."

"كنت بفكر أقابل كِنا في (الكهف الذهبي)."

إيميلدا كشرت وعينيها بصت للسما. أنا عارفة هي بتفكر في إيه—الشمس بتنزل كل ثانية.

"أنتِ عارفة بابا بيقول إيه—"

"متدخليش الغابة." ابتسمت بالعافية. "عارفة يا إيميلدا. قولي لبابا إني هرجع البيت قريب."

✶✶✶✶

السما كانت ضلمة عقبال ما وصلت (الكهف الذهبي). جوه، الفرن كان مغرق المبنى بضوء دافي. صوت ضحك ومزيكا كان طالع في الشوارع، بيشدني ناحية الكوخ المفتوح. (الكهف الذهبي) هي الحانة الوحيدة في القرية، وده معناه إنها دايماً زحمة على آخرها بأهل القرية لما الشمس بتروح والعيال بيروحوا يناموا.

وقفت على طراطيف صوابعي عند المدخل، ببص من فوق الرووس وبحاول أتجاهل الضحك العالي اللي مالي المكان بالدفا. كِنا واقفة جنب النار بتضحك، ولابسة فستان زمردي جميل.

لمحتني وشاورتلي. "أليرا! كنت لسه بسأل هتوصلي إمتى."

قعدت على الكرسي العالي جنب الترابيزة الخشب وضغطت على إيدها كتحية. وراها، (الراجل العجوز جو) بيعزف على آلة وترية للي بيرقصوا في الركن. "آسفة. إيميلدا بعتتني أجيب مية." من فوق كتف كِنا، لمحت (خورخي ميندوزا) بيبص علينا خلسة. (خورخي ميندوزا) كان واقف على بعد كام خطوة وراها بملامح مترددة. "الأستاذ ميندوزا بيبص عليكي."

"هو بجد؟" كِنا طبطبت على شعرها الغامق وهي محرجة.

"أعتقد هو عايز يتكلم معاكي."

كِنا تمت 19 سنة من كام أسبوع، ويوم ما تمت، بدأت تاخد اهتمام أكتر بكتير من رجالة القرية. خورخي ميندوزا ولد رفيع بيبيع خضار وفاكهة في السوق. شعره مجعد وأقصر من كِنا بكام بوصة. بس من كل الرجالة اللي بيتنافسوا على قلبها، هو أطيب واحد.

"أروحله؟" خدودها احمرت أوي وهزت راسها. "لأ لأ، مقدرش."

(الراجل العجوز جو) بدأ يعزف لحن معروف وكل اللي حوالينا قاموا يرقصوا. كانوا بيرجعوا راسهم لورا من الضحك وبيلففوا بعض في دواير والبهجة ملت الجو.

عيني جت في عين خورخي، فابتسمت ابتسامة دافية بالعافية. هو خد الحركة دي كأنها دعوة وقرب. انحنيت وقلت: "مساء الخير يا أستاذ ميندوزا"، وكِنا قلدت حركتي. "عامل إيه؟"

"كويس، شكراً يا آنسة ثيلين." عينيه بصت بسرعة لكِنا ووشه احمر جامد. "وإنتِ عاملة إيه؟"

كِنا فتحت بقها عشان ترد بس صرخة تخض ملت (الكهف الذهبي). المزيكا وقفت وكل واحد عينيه جت على المدخل. قلبي وقع في رجليا.

(آلي سينيكا) واقفة عند المدخل. عندها خمستاشر سنة، يعني مش كبيرة كفاية إنها تكون جوه (الكهف الذهبي)، بس صعب الواحد يركز في ده. فستانها الأخضر الباهت مقطوع من جنب وشعرها منكوش وهايش على راسها. جلدها كان متلطخ أحمر. دم.

(الراجل العجوز جو) قرب. "يا إلهي، يا بنتي." "إيه اللي حصل؟"

عيطت وقالت: "أرجوكم ساعدوني". "أخويا... هو... هو مات."

همهمة مميتة انتشرت في (الكهف الذهبي). الكل عارف أخوها، راجل عنده خمسة وعشرين سنة بيساعد في بنا الأكواخ. من غير تفكير، (الراجل العجوز جو) خلاها تتحرك بسرعة قدامه، عشان توديه للمكان.

مشيت ورا الزحمة اللي كانت بتتسرب من (الكهف الذهبي) ناحية البوابات الخشب اللي مدارية الغابة. كنا بنبص من فوق الرووس، أنا وكِنا بنحاول نلمح إيه اللي خض آلي أوي كده، ولما لمحت، اتمنيت إني مكنتش مشيت وراها أصلاً. كِنا مسكت دراعي جامد وإحنا واقفين عند المدخل وبنبص على الحتة الفاضية الصغيرة اللي قبل طرف الشجر.

كان فيه جثة مرمية على الحشيش، وعلامات مخالب على صدره. ودبحه كان مقطوع. سكوت نزل على الزحمة وإحنا بنبص على الجثة اللي على بعد كام خطوة، ومحدش عنده الشجاعة الكافية إنه يطلع بره البوابات عشان يجيبها. محدش دخل الغابة ورجع قبل كده، لحد دلوقتي.

حكايات الوحوش طلعت حقيقية.

تعليقات