قصة البيت القديم - فانتازيا

البيت القديم

بقلم,

فانتازيا

مجانا

طول عمرها حاسة إنها منسية وعايشة في ضل أختها "بيلا" اللي أمها "رينيه" بتفضلها. لما بيلا بتعمل حادثة غريبة، أمها بتستغل الفرصة عشان تسافر وتبعت ماريان تعيش مع أبوها "تشارلي" في بلدة "فوركس" الكئيبة. ماريان بتوصل هناك وهي حاسة بالغربة والظلم من أمها. الرحلة دي بتخليها تاخد قرار مهم. بتقرر إنها مش هتفضل "الضل" أو "المنسية" تاني، وإن السنة دي هي بداية إنها "تبقى حد" وتعمل لنفسها حياة خاصة بيها بعيد عن أختها.

ماريان

حاسة إنها "غلطة" أو "زيادة" في حياة أمها. ذكية وبتلاحظ التفاصيل (زي شكها في حادثة بيلا وشكل إدوارد الغريب)، وقررت تتمرد على دورها كشخص منسي.

بيلا

الأخت "المثالية" في عين أمها. تبدو ساذجة و"خرقا" (بتعمل حوادث كتير). مرتبطة بحبيبها الجديد "إدوارد" أكتر من أي حد.

إدوارد

شاب غامض ووسيم بشكل مش طبيعي. عينيه لونها "دهبي" غريب، وظهوره بيخطف كل الانتباه وبيخلي ماريان تحس إنها شفافة أكتر.
قصة البيت القديم - فانتازيا
صورة الكاتب

رينيه كانت طول عمرها عايزة تخلص مني. دي مكنتش مجرد فكرة عابرة—أنا كنت متأكدة إن أمي يا دوب بتستحمل وجودي. هي عندها بيلا، طبعًا، بنتها المثالية، اللي تقدر تدلعها وتتباهى بيها، البنت اللي كانوا عايزينها. أما أنا، على الناحية التانية، حسيت إني جيت كدة على الهامش، غلطة عمرها ما اتصلحت.

بيلا عملت حادثة. وقعت من شباك، وده كان ممكن يتصدق جدًا نظرًا لميلها الطبيعي للكوارث. أختي كانت دايمًا خرقا، ده شيء لا يمكن إنكاره. بس كان فيه حاجة في الموقف كله حاساها مش مظبوطة، كأني فايتني حتة مهمة من اللغز. مش وكأن شكوكي ليها أي وزن. أصلاً أنا مين عشان أشكك في رواية الأحداث اللي هما اختاروا يقدموها؟

لما ماما وأنا رحنا زرنا بيلا في المستشفى، كان كأني بقيت شفافة تاني. ده كان إحساس مألوف، إحساس اتعلمت أعيش معاه. بس برضه، كان لطيف إني أشوف بيلا—وأشوف بابا.

بينما أمي كانت عمالة تحوم حوالين بيلا، وقلقانة على إصاباتها، أنا وجهت انتباهي لتشارلي. أنا مشفتوش من أكتر من خمس سنين. يا ترى هو لسه سايب أوضتي زي ما هي؟ أشك. عادي. ده الطبيعي. بيلا كانت دايمًا هي نعمتهم الصغيرة، طفلتهم المعجزة، البنت اللي فضلوا يتمنوها طول علاقتهم.

وبعدين جيت أنا.

بيلا كانت متعودة تقولي، بهمس واعترافات نادرة ولحظات قسوة، إني أنا السبب في طلاقهم. رينيه كانت زهقت—زهقت من رعاية طفلين، زهقت من ثقل الحياة المنزلية. هي كانت دايمًا قلوقة، ست بتتمنى حاجة أكتر من الحياة اللي بنتها. رفضت تتربط، رفضت تتكبل بالالتزامات والمسؤوليات. كانت عايزة حرية، مغامرة، القدرة على إعادة اكتشاف نفسها من غير عبء الأولاد والزوج اللي معطلينها.

في الآخر، الطلاق غالبًا كان أحسن حاجة حصلت.

نظري تاه في أوضة المستشفى، وفي الآخر استقر على كرسي فاضي محطوط جنب سرير بيلا. دندنت لنفسي بهدوء، وخطيت لقدام عشان آخد الكرسي، كنت متشوقة إني أكسر المسافة اللي كبرت بينا عبر السنين. يمكن نقدر نتكلم، نتكلم بجد، زي ما الأخوات المفروض يعملوا.

"آه، ما ينفعش تقعدي هنا يا ماريان،" بيلا قالت فجأة، نبرتها خفيفة، وتقريبًا بتعتذر. "إدوارد هيرجع قريب."

آه.

"بيلز، مش وقته،" تشارلي اتدخل، صوته فيه سلطة هادية. "إنتي آخر مرة اتكلمتي مع أختك امتى؟ اتكلمتوا بجد؟"

بابا كان دايمًا في صفي—أو ع الأقل، أنا كنت فاكرة كدة. كان صعب أقولها وأنا متأكدة. أنا كنت بعيدة لفترة طويلة لدرجة إن صورته بدأت تبهت، ملامحه بقت مشبرة عند الأطراف زي صورة قديمة اتسابت في الشمس كتير. نكاته السخيفة، طريقته اللي شنبه كان بيتهز بيها لما يحاول ما يبتسمش—كل ده وحشني.

"عادي يا بابا،" همست، ورسمت ابتسامة متكلفة. "أنا هقف."

بيلا اترددت، وكأن كلام تشارلي بدأ يدخل دماغها. وبينما أنا كنت ساندة على الحيطة اللي في وش سريرها، هي اتكلمت أخيرًا. "عاملة إيه في الدراسة؟"

هي قعدت تلعب في صوابعها، ونظرها بيتنقل بيني وبين باب الأوضة، واضح إنها مستنية وصول إدوارد.

"مش مسلية زي دراستك،" رديت، وابتسامة خفيفة ظهرت على شفايفي. "ماما قالتلي إنك كان هيدوسك عربية؟"

شفايف بيلا اتقفلت في خط رفيع. قبل ما ترد، رينيه قاطعتها، ووقفت للحظة عن رسايلها المحمومة لـ فيل. "دي مش حاجة نهزر فيها يا ماريان."

كنت خلاص هتريّق. طبعًا. مش مسموحلي أهزر، مش مسموحلي ألطف الجو، مش مسموحلي أحس بأي حاجة غير المستوى المناسب من القلق. "آسفة،" همست، مع إني مكنتش عارفة أنا بتأسف لمين.

الحوار دبل بعد كدة، ومات موتة بطيئة ومحرجة. بيلا رجعت ركزت انتباهها على معصمها الملفوف، والصمت نزل على الأوضة زي ضباب بيخنق.

تشارلي ورينيه مكنوش من النوع اللي بيعرف يخلي الجو لطيف.

في النهاية، السكون ده قطعه الرنين العالي لتليفون تشارلي. اتنهد بقوة، ومد إيده يجيبه. "آسف، لازم أرد. ده القسم."

وطّى وباس بيلا على جبينها قبل ما يمشي بسرعة برة الأوضة، والتليفون لازق في ودنه خلاص.

وبس كدة، الهدوء رجع تاني، تقيل وقوي، ممدود بينا زي مسافة مستحيل نعديها.

وبس كدة، بدا وكأن وجود حد اتبدل بوجود حد تاني. مع خروج تشارلي، دخل ولد، ميجيش سبعتاشر أو تمنتاشر سنة، أوضة المستشفى بهدوء ورشاقة تكاد تكون غريبة. شعره اللي لونه برونزي كان منكوش كفاية إنه يبان طبيعي، كأنه عدى في عاصفة وخرج منها متماسك تمامًا. كان لابس بنطلون أسود وسويت شيرت رمادي—لبس كاجوال، بس كان فيه حاجة مقصودة، كأن حتى اختيارات لبسه مدروسة بدقة.

ده أكيد إدوارد.

الهوا في الأوضة اتغير أول ما دخل، كأنه جايب معاه مجال قوة خفي بيجبر الكل ينتبه. رينيه عمليًا نورت لما شافتهم هما الاتنين مع بيلا، عينيها بتلمع بنوع من الموافقة الأمومية.

وبس كدة، أنا رجعت شفافة تاني. مجرد ضل على حيطة المستشفى، بختفي في الخلفية بينما الدنيا بتدور من غيري.






عيون إدوارد كانت غريبة. لونها دهبي بشكل مش طبيعي، زي نور الشمس المحبوس في عسل. حاجة تقلق. غريبة. تقريبًا... مش طبيعية. بس وأنا إيه عرفني؟

فضلت قاعدة طول حوارهم الطويل الممل ده، من النوع اللي تحس إنه شغال على موجة تانية أنا مش عارفة ألقطها. مكنش ليا، مجرد تفكير تاني إن بيلا بقى عندها دنيتها الخاصة دلوقتي، دنيا أنا مش جزء منها.

أخيرًا، رينيه اتكلمت. "طيب، الأحسن نسيبك شوية. هنرجعلك قريب يا حبيبتي."

وطّت، وحضنت بيلا بحرص، ومرجحتها بسيط وهي راقدة على سرير المستشفى. كان فيه حاجة حلوة ومُرة في حضنها ليها—كأنها بتتشبث بلحظة ضعيفة، وعارفة إن مش هيجيلها لحظات زيها كتير.

وبعدين رينيه بصتلي.

كنت مستنية سلام، أي إشارة حب عابرة، بس بدل كدة، هي شدت رسغي، وصوابعها لفت حواليه بمسكة ناعمة بس قوية. ومن غير ولا كلمة زيادة، راحت شاداني برة الأوضة، وخدتني لممر المستشفى اللي نوره يزغلل ومعقم بشكل مستحيل.

أول ما خرجنا برة مدى سمع بيلا، هي اتنهدت، وعدت صوابعها في شعرها كأنها بتحضر نفسها لآخر أخبار حياتها. "أنا وفيل طالعين رحلة تانية—المرة دي نيويورك."

عينيا لمعت. نيويورك. مدينة الفرص اللي ملهاش نهاية، اللي شوارعها مليانة حياة، واللي الأحلام بتتولد فيها في كل ركن. مكان أقدر أختفي فيه وسط الزحمة وأبقى واحدة تانية.

بس هي راحت طافية شرارة الحماس دي قبل حتى ما تلحق تولع.

"مش شايفاك المفروض تيجي يا حبيبتي،" كملت، صوتها كان حلو بس نهائي. "بيلا محتاجاكي تخلي بالك منها."

النور اللي في عينيا رَعش واتطفى.

إنك تبدأ خناقة مع رينيه كان سهل؛ إنك تخرج منها من غير عياط كان تقريبًا مستحيل. عشان كدة، هزيت راسي. وافقت. وبس كدة، اتعينت عشان أبقى الـ "بيبي سيتر" بتاعة أختي الكبيرة لأجل غير مسمى. سنة كمان، ويمكن أكتر. سنة كمان أبقى فيها الشخص المنسي، اللي بيتساب ورا.

وهو ده اللي وصلني لهنا—شنطي في إيدي، واقفة في دوشة المطار وزحمته، مستنية أبويا.

كان عندي أمل إنه يكون هنا أول ما طيارتي تنزل، بس طبعًا، هو كان عنده التزامات تانية. الشغل، غالبًا. هو كان دايمًا مشغول في قضية، دايمًا بيرد على نداء الواجب.

قعدت أخبط برجلي في الأرض الرخام اللامعة. خبطة.

اتنين.

تلاتة.

اتنهدت، ويئست. لفيت على كعبي، وبدأت أمشي ناحية المخرج، جهزت نفسي عشان آخد تاكسي وخلاص. بس أول ما كنت بفكر هعمل إيه، لمحتُه.

تشارلي سوان، أبويا، واقف جنب المدخل بيشاورلي بإيد متخشبة واللي قدرت أخمن إنها ابتسامة تحت شنبه. كان ساعات صعب تفهمه.

حسيت براحة وحاجة قريبة أوي من الحماس ملت صدري. مسكت شنطي بطاقة جديدة، واتحركت ناحيته، خطواتي كانت سريعة ومتحمسة.

"إزيك يا بابا،" سلمت عليه، وصوتي طلع أهدى ما كنت عايزة. إني أشوفه تاني—أشوفه بجد—بعد كل الوقت ده كان إحساس غريب. مألوف، بس بعيد.

"أهلًا يا بنتي،" رد، صوته كان خشن بس دافي. "يلا نحط حاجتك في العربية."

ابتسامة كبيرة اترسمت على وشي. للحظة واحدة، حسيت فعلًا إن عندي ستاشر سنة. عيلة. عيلته هو.

السكة في العربية لبيتي الجديد مكنتش محرجة بشكل مؤلم زي ما توقعت. أنا وتشارلي كنا شبه بعض في حاجات كتير—مش بنعرف نتعامل اجتماعيًا، وبنميل إننا نسمع أكتر ما نتكلم. بس رغم كرهنا إحنا الاتنين للرغي الفاضي، كنا بنتواصل بطريقتنا الخاصة. بارتياح. مش زي رينيه، اللي كل كلام معاها كان بيحسسني إني ماشية في حقل ألغام.

أول ما دخلنا بالعربية مدخل البيت، عينيا وقعت على البيت اللي كنت في يوم من الأيام بسميه بيتي.

كان زي ما هو. الدهان المقشر، البلكونة الخشب القديمة، ريحة الصنوبر المعروفة في الهوا. ورغم كدة، وأنا واقفة هناك، حسيت إني غريبة بتفرج على حياة حد تاني.

الذكريات غرقت دماغي، من غير استئذان. أول سِنّة وقعتلي كانت في البيت ده. بناء بيوت من المخدات مع بيلا. الأسرار اللي كنا بنوشوش بعض بيها بالليل، بين أختين كانوا، وقتها، لسه حاسين إنهم أخوات.

بس قصاد كل ذكرى حلوة، كان فيه واحدة وحشة. صدى البيبان اللي بتترزع. ريحة برفان أمي اللي كانت فاضلة وهي بتلم شنطها، وسايبة أبويا وراها. الإحساس الخانق إني اتسِبت أنا نفسي، اتحدفت زي طرد محدش عايزه لأن رينيه ببساطة مكنتش قادرة تبص في وشي بعد كدة.

اتنهدت، ومسكت في حزام شنطتي جامد.

أنا عمري ما حسيت إني بانتمي لأي مكان—لا في فينيكس، ولا في فوركس، وأكيد مش في ضل بيلا.

قضيت عمري كله ماشية وراها، بحاول أملا الأماكن اللي هي سابتها. بس في الوقت اللي بيلا كانت فيه هادية، أنا كنت قلوقة. في الوقت اللي بيلا كانت حريصة، أنا كنت متهورة. أنا مكنتش شبهها في أي حاجة، ورغم كدة كانوا دايمًا بيقارنوني بيها.

بس مش المرة دي.

السنة دي، أنا وعدت نفسي، إني هغير ده.

أنا مش هكون ضل. أنا مش هتنسي.

أنا هبقى حد.

تعليقات