القمر الأسود | صراع المستذئبين ومصاصين الدماء
القمر الأسود
بقلم,
فانتازيا
مجانا
صراع قديم بين المستذئبين (عيلة نايتشيد) ومصاصين الدماء (عيلة إيريفانج). ساحرة غامضة بتظهر بنبوءة عن خيانة هتدمر الكون وحرب هتكشف عالمهم السري للبشر. الأمير الذئب (آرثر) بيعرف إن حبيبته هتخونه، وأخته (تشانس) عندها قدرة سحرية محدش يعرفها. الأحداث بتتصاعد لما آرثر بيتقتل غدر، وأبوه (الألفا) بيقرر ينتقم وياخد تار ابنه. دلوقتي تشانس بقت في وش المدفع، لازم تستخدم موهبتها عشان تختار بين إنقاذ عيلتها أو منع حرب هتدمر الكل.
آرثر
الأمير الذئب. قوي وطويل. ساحرة اتنبأتله إن حبيبته (صوفي) هتخونه. اتقتل على إيد مصاصين الدماء في بداية الأحداث، وموته كان سبب إعلان الحرب.تشانس
أخت آرثر (الليدي نايتشيد) وهي اللي بتحكي جزء كبير من القصة. مستذئبة بس عندها موهبة سحرية سرية: بتقدر تكشف الكدب وتعرف الحقيقة من أي حد.صوفي
حبيبة آرثر. البنت اللي النبوءة قالت إنها هتخونه. آرثر شك فيها قبل ما يموت لأن تصرفاتها كانت غريبة.
كان السوق الليلي رابضًا في الهيكل الخرساني لميدان الملكة فيكتوريا، ودبت فيه الحياة. البياعين كانوا بيتباهوا ببضايعهم اللي مالهاش زي، وطوابير أكشاك الأكل المشهورة لافة في دواير. كرات ضخمة مغيمة كانت متعلقة بين المظلات على سلوك سودا مرخية، غامرة الرصيف بوهج كهرماني ناعم، فكر آرثر نايتشيد بعيون أخته. شق طريقه وسط الزحمة بسهولة، مستخدمًا طوله عشان يشوف أحسن طريق، وبيزق بكتفه الضخم عشان يبعد اللي كانوا وقحين أو مش مركزين كفاية عشان يطلعوا من سكته. كان غريب، أوقات، إنه يجي أماكن زي دي؛ في بلده، الكل كان بيعامله زي الملوك، لكن هنا آرثر كان مجرد واحد زي أي حد تاني. راجل بيدور على حبيبته بعد ما اتقسموا عشان يوفروا وقت. صوفي كانت صغيرة أوي، سهل تضيع وسط الزحمة. ده كان بيحصل أكتر ما هو يحب لما يكونوا بره مع بعض؛ أوقات كانت بتختفي لساعات متواصلة. الأمير الذئب كشر، وهو بيقف جنب كابينة التصوير اللي قالت إنها هتقابله عندها. البيرة المتصنعة محلي اللي لسه شاريها اتلقلقت بخطورة في الكوبايات البلاستيك وهو بيلف كده وكده، على أمل يلمح شعر كستنائي وعيون عسلي بتلمع. مكنش مستعد للإيد اللي خطفت دراعه، وشدته لجوه كابينة التصوير. لولا ردود أفعاله الخارقة بس هي اللي منعته إنه يغرق نفسه بالمشروب المتخمر، لكنها كمان خلت أنيابه تطول بشكل تلقائي، وجلده قشعر في الوقت اللي "التغيير" هدد إنه يسيطر على هيئته البشرية الشاحبة ويشوهها لحاجة أغمق. وأكتر فتكًا. "في صحتك،" الساحرة قالت، وهي بتخطف كوباية من إيده. أكيد دي ساحرة؛ ريحتها كانت فايحة حديد، وعينيها كانت زي الثقوب السودا، بتهدد إنها تكرمشه زي الكورة وترميه في زمن تاني. "أنا بجد كنت محتاجة ده." بربش، وهو مذهول، والساحرة قفشت الكوباية وبلعت المشروب كله مرة واحدة. كان فيه حاجة مألوفة في بشرتها الغامقة وزوايا وشها، خليط غريب من العضم القوي والخطوط الرقيقة. لهجتها كمان كانت غريبة، كأنها عاشت في أماكن كتير وخدت أصوات منها كلها، وعملت حاجة جديدة تمامًا. "ميدنا إيفركلير؟" آرثر سأل فجأة، وهو بيضيق عينه مش مصدق. "نبيئة مجلس التلاتاشر بتعمل إيه هنا؟" كشرت، وهي بتدوس على الزرار الأحمر بتاع الكاميرا. "برتكب خيانة. معنديش وقت كتير، فمحتاجاك –" حد زق الستارة، وحط رجله في الفتحة. "الكابينة مشغولة!" ميدنا زعقت، وهي بتشد الستارة تقفلها. "استنوا دوركم." آرثر سمع البنات بتمتم بكام كلمة وحشة من ورا الستارة، لكن لحسن الحظ سمع ميدنا كان ضعيف أوي – أو كانت مشغولة أوي – إنها تاخد بالها من السم اللي نطقوا بيه. "زي ما كنت بقول، محتاجاك تسمعني كويس. أنا هقول ده مرة واحدة بس." طَق. الشاشة جمدت، وعرضت أول صورة ليهم؛ مكنتش صورة حلوة أوي. آرثر كان شكله زي الجرو التايه، شعره الغامق منكوش وعيونه الزرقا حذرة، قربت تبقى خوف. ميدنا، من ناحية تانية، كان شكلها هترجع آخر نقطة من البيرة اللي سرقتها. "أنا سامع،" قال بجدية. "أكتر واحدة بتحبها هتخونك،" هي بدأت، "وهتبدأ سلسلة أحداث هتشكل مصير الكون كله. لكن قبل ما الدنيا تتكركب، هيتحط قدامك اختيار." "اختيار إيه؟" سأل. طَق. المرة دي شكلهم كان مركز، زي المسعفين اللي شغالين ينقذوا مريض في حالة حرجة. "إذا كان أنت ولا أختك اللي هيعيش عشان يحكي اللي حصل." طَق. المرة دي آرثر كان شكله هيستفرغ. ميدنا خطفت المشروب التاني بتاعه كمان. "انتوا الاتنين عندكم القدرة تدمروا العالم أو تنقذوه. معرفش مين فيكم هيختار أنهي طريق، لكن لازم هتختاروا طريقكم قبل ما الليلة دي تخلص." مكانش فيه أي فايدة من الجدال في "ماذا لو". ميدنا كانت نبيئة مجلس التلاتاشر. أعلى الساحرات رتبة في العالم. "هعرف إمتى إن جه وقت الاختيار؟" "لما تبقى وش لوش مع ألد أعدائك. سيبه يعيش، و(تشانس) هي اللي هتقود، وفي يوم من الأيام حتى الحب. خليه يموت، ومصيرها هيبقى هو مصيرك." طَق. "أنا آسفة،" ميدنا قالت، وعينيها لانت بشفقة. "أنا مش بحسدك على القرار ده." الستارة اتزاحت مرة تانية، لكن النبيئة كانت خلاص بتختفي من الناحية التانية، وواخدة معاها شريط الصور اللي لسه مطبوع. صوفي زقت نفسها لجوه الكابينة. خدودها كانت وردي بشكل يتاكل، محمرة خفيف من البرد. عمرها ما كانت شاطرة في ظبط درجة حرارة جسمها، دايمًا كانت بتهجم على آرثر بإيديها ورجليها التلج في نص الليل، لما كان بيتسلل لأوضتها عشان يكون قريب منها. "افتكرت إني سمعت صوتك هنا،" صوفي قالت، لكن نبرة الفرحة في صوتها كانت نشاز. "كان فيه حد تاني معاك؟" أكتر واحدة بتحبها هتخونك. آرثر هز كتفه. "كنت بكلم (تشانس) في التليفون. كان شكلها متضايقة أوي." صوفي كشرت. "هي عرفت بموضوع البطولة؟" هز راسه. يا إلهي، هو كان كداب فاشل أوي. الإحساس كان زي ما يكون بيغصب نفسه يشرب كلور، بس بالعكس. "لأ، بس أظن إنها شاكة إن فيه حاجة. أبويا بقى متحكم زيادة عن اللزوم الأيام دي." ضمت شفايفها، وهي بتطبطب على دراعه. "معلش يا حبيبي." "عادي." لأ مكنش عادي. مفيش حاجة هترجع عادي تاني أبدًا. "أنا عارفة إيه اللي هيفرفشك،" قالت، وهي بتدوس على الزرار الأحمر وبتوطي تجيب سلة الإكسسوارات اللي عند رجليهم. فجأة آرثر لقى نفسه بيبحلق في صورته من تحت برنيطة راعي بقر ناشفة، في الوقت اللي البنت اللي بيحبها أكتر واحدة في العالم كانت عاملة بوز بشال ريش رخيص، وضامة شفايفها وبتبوسه على خده. مسألتش عن البيرة اللي كان المفروض يجيبهالها. وهي حتى مكنش معاها المخبوزات اللي سابته عشان تروح تجيبها من الأول. طَق. وآرثر بيبحلق في الصورة اللي بتبهت على الشاشة، مقدرش يمنع نفسه من التفكير إذا كان هو بيبص لراجل ميت. الضوء اندلق على العتبة ودخل القاعة الخالية، ونور الخيوط الزرقا اللي في الأرضية الرخام. الضوء اختفى لما البيبان اتقفلت ورايا بخبطة مشؤومة. وقفت لحظة لحد ما عينيا اتعودت على ضوء القمر اللي بيتسلل من سلسلة شبابيك عالية ومقوسة. كل شباك كان بيرسم لقطة فريدة للمحمية الطبيعية اللي حوالين بيتنا الفخم، وبيدي للقاعة اللي مليانة هوا انطباع حلو كأنها معرض فني. سبت عيني تتجول بين الألواح المغيمة ولأبعد مكان تسمح بيه حدود البيئة، لحد ما وصلت لخط أشجار الصمغ اللي بتعلن عن بداية الأحراش الحقيقية في الأفق. يا ريتني كنت بره هناك، فكرت بسخرية، بواجه البرد بدل ما أواجه غضبه هو. حسيت إني مينفعش أتأخر أكتر من كده، طلعت السلالم اللي بتوصل للمنصة. كان فيه عرش ضخم رابض فوقها، منحوت على هيئة ديابة بتكشر. لكن أكتر حاجة مرعبة فيه كانت الراجل اللي قاعد عليه؛ القوة كانت كأنها بتنضح من مسامه، وبتحوم حواليه زي هالة سودا. بس أنا اتعودت على استعراضات أبويا دي على مر السنين. عينيا عدت من عليه وراحت للشخص الغريب اللي جنبه. أضواء الحيطة مكنتش منورة، وده كان بيدل على الطبيعة غير المتوقعة للزيارة الاجتماعية دي. ضيفنا ده كان شخص ليه أهمية نسبية، إذن — ووقح كمان. وبما إني خلاص حملت الغريب الغامض ده المسؤولية شخصيًا عن المقاطعة البشعة لنومي، وجهت له أكتر نظرة استنكار قدرت أجمعها — — هي. بربشت بغباء، متفاجئة بجد إني مكنتش الست الوحيدة في الأوضة. معظم الضيوف اللي أبويا بيستقبلهم كانوا رجالة، وده كان بيعكس توزيع القوة المحبط في مجتمعنا السري. هي ابتسمتلي، بس اللفتة كانت صادقة زيادة عن اللزوم بالنسبالي، خصوصًا وإحنا عمرنا ما اتقابلنا. لقيت خطواتي بتتردد، وحاجة جوايا بتحذرني بالرغم من سلوكها الودود. عشان ألاقي تفسير لعدم ارتياحي، فحصتها علنًا من راسها لرجليها. شعرها كان ناعم وخفيف، غامق بشكل جذاب زي بشرتها، وبطريقة ما قدرت ترفعه في عقدة شكلها أنيق مش مبهدل. طرف بقي اتعوج لفوق بندم؛ عمري ما كان عندي الموهبة للحاجات دي، والدليل على كده الخصل المتشابكة اللي نازلة على ضهري حتى دلوقتي. بس ده مش موضوعنا، أنبت نفسي. اللي كان مثير للاهتمام (والقلق) أكتر هو تاج الشوك اللي فوق حاجب الزايرة، المصنوع من دهب أبيض بيلمع. خيط دم رفيع عند صدغها الشمال كان بيقول إنه أكتر من مجرد حلية جميلة. "مساء الخير، ليدي نايتشيد،" قالت، وهي بتميل راسها باحترام. صوتها كان أعمق ما توقعت، بالنسبة لقوامها الصغير. "أنا مبسوطة إنك قدرتي تنضمي لينا." "أكيد خدتي وقت طويل أوي،" أبويا دمدم، من غير ما يكلف نفسه يقوم من على العرش. "في الحقيقة، هي جت في ميعادها بالظبط،" الزايرة قالت بسخرية. احتجت كل قوة إرادتي عشان مكشرش. هي كانت بتحاول تعصبه؟ "إحنا بنستقبل مين الليلة؟" سألت أبويا بشكل موجه، متجاهلة البنت المغرورة دي. "ميدنا إيفركلير،" رد بصوت عالي. "نبيئة مجلس التلاتاشر." رفعت حاجب؛ عمري ما قابلت ساحرة قبل كده. مع إن أبويا كان مهذب مع مجتمع السحرة في المناسبات الرسمية — زينا، مجلس التلاتاشر بيمتلك تلت البنية التحتية لمدينة ميلبورن — إلا إنه كان بيحاول ميرتبطش بيهم من غير داعي. ملومتوش. الساحرات كانوا أعداء لا يستهان بهم حسب كل التقارير. ومجرد التفكير إن ميدنا بتنتمي لطايفة سحرة بتضم أكتر الساحرات عبقرية في العالم كان مقلق، على أقل تقدير. أكيد هي قوية بشكل مخيف، فكرت مع ومضة من عدم الثقة، عشان تكون عضوة في المجموعة دي في سن صغير زي ده. "أنا هنا لأني شفت رؤية،" ميدنا قالت، كأن ده بيفسر كل حاجة. "رؤية بتخص عيلتكم." مكنتش متأكدة أوي إني بأدي أي مصداقية للنبوءات، سألتها هي شافت إيه من باب اللياقة. "أنا شفت أبوك." ميدنا لفت عشان تواجه موضوع رؤيتها بعيون واسعة ومتوسلة. "أنت على وشك تستقبل أخبار، لورد نايتشيد. أخبار فظيعة، وهتخليك تاخد قرار هيكلف أرواح آلاف الأبرياء." "وإيه هو القرار ده؟" أبويا سايرها في الكلام. "أنت هتبدأ حرب خارقة للطبيعة." حصل لحظة صمت مذهول. "ده كلام سخيف،" قلت باستهزاء. "ده هيبقى مجهود كبير أوي زيادة عن اللزوم." رغم إني فشلت أصيغها ببلاغة، بس دي كانت حقيقة الموضوع. مسعى زي ده هيتطلب تجنيد كل مستذئب مسجل في الولاية، ده غير نقل كل اللي بيعتمدوا عليهم. تكوين جيش جاهز هيبقى كابوس إداري ومرهق جدًا على ممتلكاتنا. عشان فين الجنود هيعيشوا وقت حرب زي دي، ومين غيرنا هيأكلهم؟ أكيد مش هنتوقع منهم يحطوا حياتهم على المحك ويدفعولنا تمن امتياز بقاءهم هنا وهما بيعملوا كده. أبويا لقط فحوى أفكاري وضحك بصوت عالي. لامبالاته الواضحة ناحية أخبار الكارثة الوشيكة كانت مزعجة للساحرة. "لازم تحلوا ده دبلوماسيًا،" هي أصرت، وشبكت إيديها جامد لدرجة إن اللون اتسحب من مفاصلها. "المعركة اللي اتنبأت بيها هتنبه الجنس البشري لوجود عالم الظل." "طب وإيه يعني؟" "يعني منقدرش نستحمل إن ده يحصل،" ميدنا أكدت، رافضة إن حد يثنيها. "البشر مبيقدروش يستوعبوا فكرة السحر أو التطور اللي فايتهم. لو اكتشفونا، الفصايل المتطرفة في مجتمعاتهم مش هيقف قدامها حاجة عشان يبيدونا. هتبقى محاكمات سحرة سالم من أول وجديد، بس المرة دي، هيبقى معاهم القوة اللي تحت إيديهم عشان يتخلصوا مننا — كلنا — للأبد." أبويا هز كتفه. "كل ده بيبان ميلودرامي أوي، عشان أكون صريح تمامًا. أنا إزاي المفروض أعرف إذا كنتي بتقولي الحقيقة؟" لمعة انتصار ظهرت في عيون الساحرة. "تفتكر ليه أنا أصريت على دعوة بنتك؟" الدم في عروقي اتحول لـ تلج سايح. حسيت إني متجمدة في مكاني، حتى وعقلي بيسابق الزمن. هل ممكن تكون الزيارة دي متدبرة، ورؤية يوم القيامة بتاعتها دي كدبة، وكل ده محاولة عشان يتأكدوا من الإشاعات بخصوص قدراتي؟ بس المفروض ميكنش فيه إشاعات. أبويا وأخويا بس هما اللي يعرفوا أنا بقدر أعمل إيه، وإحنا كلنا كنا حالفين على السرية. عيون أبويا، اللي لونها أصفر فاقع زي حيوان متوحش، ضاقت بخطورة وهو بيعيد تقييمه للساحرة. *سايريها،* بعتلي بالتخاطر. *لازم نختبر هي تعرف إيه.* "أنتِ عايزاني أعمل إيه؟" سألت ميدنا، وأنا بتظاهر بالجهل. مش هينفع أفهمها حاجة لو هي كانت بتهدد. "عايزاكي تتأكدي من اللي أنا بقوله. أنا عارفة إنك بتقدري تميزي الصدق من الكدب،" قالت، وقلبي حس كأنه بيقع في رجلي. ثانية واحدة بس خدتها عشان أمسك رقبتها وأرفعها في الهوا. فكرت "المفروض أقتلها"، وأصابعي بتضغط بشكل لا إرادي. أبويا كان واضح بقسوة بخصوص الحفاظ على موهبتي في السر؛ لو بقت معروفة للكل، هيفقد الأفضلية في كل مفاوضاته السياسية. ورغم كده، أصابعي ارتاحت لوحدها. الخطورة الكبيرة إني أسيب ميدنا عايشة كان معاها مكافأة على قدها: فرصة إني أعرف أكتر عن حالتي اللي مفيش زيها. مستذئبة نقية الدم بقدرات ساحرة... ده كان تجديف، فوق مستوى الفهم، وأنا كنت عايزة أفهم نفسي بيأس. ما كانش المفروض أكون مستعدة أسيبها تعيش عشان كده. "سيبيها يا تشانس." لمحت نبرة تسلية في الأمر. "مش هتقدر تقولنا أي حاجة لو مش قادرة تتنفس." ميدنا وقعت على ركبها وهي بتشرق، وماسكة حلقها والدموع بتنط من عينيها. قاومت رغبتي إني أتمشى رايحة جاية وهي بتفوق، وأنا بأنب نفسي عقليًا إني بوظت قدرتها على الكلام. كان عندي أسئلة كتير أوي بتحرقني، كلها بتتخانق على مين ييجي على طرف لساني الأول. لما الساحرة وقفت على رجليها، كان فيه تسامح مقلق في عينيها. معجبتنيش الطريقة اللي بصتلي بيها، كأنها تعرفني من سنين وعارفة كل حاجة عني. يا ترى ظهرت كام مرة في رؤاها؟ "أنا مقولتش لأي حد،" ميدنا قالت بصوت مبحوح. "ولا هقول، من غير إذن صريح منك." غمضت عينيا لثواني وسحري بيتأكد من كلامها بصوت هادي زي هبة فتيل بيولع. الدهب غمر عقلي، وتردد صداه في كل أطرافي؛ شفايفي وصوابعي نملت بإحساس فوار، بيفكرني بشكل غريب بالمرة اللي دقت فيها شوية من شمبانيا أبويا. "هي بتقول الحقيقة،" أعلنت، وجزء من التوتر اتسحب من جسمي. "أو على الأقل، زي ما هي فاهماها." "أكيد،" ميدنا قالت. "أنا مش هكدب عليكي." حقيقة الجملة دي مطمنتنيش. فكرت بمرارة "أنا كمان مش هكدب على حد بيقدر يكشف الخداع". لأ، بدل كده هلاقي طرق تانية أضللهم بيها، بأجزاء من الحقيقة أو إني أخبي الحقيقة خالص. ده كان سبب تاني يخلي موهبتي أحسن وهي سر، وليه عشت حياتي في عزلة نسبية كتكملة لقطيع المدينة بتاع أبويا. لو كنت هعمل اتحاد تخاطري مع قطيع خاص بيا، مجرد فكرة واحدة شاردة ممكن تكشفني. أبويا نضف حلقه، وهو متضايق بوضوح من التحول غير المتوقع للأحداث. "ميدنا، أنتِ اقتحمتي أرضي ووقتي. صبري بدأ ينفد. لو مقدرتيش تقنعيني بصدق رؤيتك بجملتك الجاية، هخلي حد يرميكي بره المكان ده بالقوة." الساحرة ابتسمت بصبر، مستنية دورها عشان تتكلم. أدركت وهي بتفتح بقها عشان تقول جملة أكيد اتمرنت عليها ألف مرة "هي شافت كل ده قبل كده". "وممكن أفكرك،" فورد أضاف، "إنك هتاخدي سر تشانس معاكي للقبر. وإمتى ده يحصل قريب، ده يرجع لتقديرك." "أنا مش هعرض سر سحر تشانس للخطر طول ما أنا عايشة،" هي اتعهدت. هزيت راسي، بأكد نواياها الطيبة. "ولو فورد نايتشيد بدأ حرب خارقة للطبيعة، ده هيأدي لاكتشاف وإبادة عالم الظل." هووو. المرة دي كلامها كان أشبه بهبة ريح لحريقة غابة. مشهد أثيري متعدد الألوان هجم على إدراكي. كان بيلمع بالدهب بشكل أساسي، بس كان فيه درجات من الرمادي اللامع والفحمي حيرتني، لأن كل جزء غامق كان كدبة محتملة. بس هي ليه هتكذب عليا لو هي عارفة بموهبتي؟ اتساءلت، قادرة بس إني أسأل أسئلة، وعاجزة إني أوصل لنتيجة. هو المستقبل مش محفور في الصخر؟ هل هي شافت مستقبليات محتملة بس غير مرجحة هي اللي بتبوظ كلامها؟ "وأنا هروح أحارب مين؟" فورد سأل، وهو بيميل لقدام في العرش. ميدنا بصت في ساعتها، وشفايفها مضمومة جامد. "أنا فاهمة إنه ممكن يكون مغري، نظرًا لتاريخك مع عيلة إيريفانج، بس..." أبويا عمل صوت قرف وهي بترغي عن السلام، صوت سارعت إني أقلده. عيلة إيريفانج كانت المعادل بتاعنا عند مصاصين الدماء، قوية كفاية إنها تعتبر ملكية في مجتمع الظل بتاعهم. المعاهدة بين الفصايل اللي اتعملت في أيام الاستعمار أجبرتنا نكون مهذبين مع العلقات دول، لكن أفعالهم — لأ، طبيعتهم ذاتها — كانت بتختبر صبرنا باستمرار. مصاصين الدماء كانوا طفيليات بيعتمدوا على قوة حياة المخلوقات التانية عشان يعيشوا. خلودهم تحدى النظام الطبيعي للعالم وشهوتهم للسلطة لا تشبع، وده أدى لمناوشات حدودية كتير على مر السنين وحالة دايمة من المنافسة غير الشريفة في مؤسسات القوة الحديثة. كنا دايمًا بندرب عملاء عشان يحدوا من تأثير عملائهم في الشركات، وخدمات الطوارئ، وحتى الهيئات الحكومية على مستوى الولاية والمستوى الفيدرالي. "على قد ما بكره مصاصين الدماء، الحرب الصريحة معاهم تبدو اختيار متطرف،" اعترفت. "يمكن نقدر نوصل لحل وسط في —" البيبان اتفتحت بعنف، ودفعت ريحة الدم الكريهة في كل القاعة. راجل اترنح ناحيتنا، وهو ماسك جرح في جنبه، وخطين دم قرمزي ماشيين ورا رجله. "ريتشارد؟" خدت لحظة عشان أتعرف على الراجل من تحت الدم. كان الـ(بيتا) بتاع أخويا، من قطيع وريث مدينة ميلبورن. رتبهم كانت بتتكون من العيال المدلعة لأصحاب المناصب الكبيرة اللي كانوا بيتكبروا على المدارس الداخلية التقليدية زي أكاديمية ريدج فيو. بدل ما ياخدوا استقلال ويتعلموا إزاي يحلوا تفاضل وتكامل، كانوا بيحتفلوا تحت العيون الساهرة لأبهاتهم الغايبين عاطفيًا وأحيانًا يمسكوا أمور قطيع المدينة معندوش وقت ليها. "إيه اللي حصل؟" "كنا بنعمل دورية ع الحدود لما خبطنا في الوغد بتاع إيريفانج،" ريتشارد قال، وهو بيرجع لورا خصلات شعره النارية اللي بتميزه كواحد من عيلة أولسن، واحد من الأبناء الشرعيين القليلين اللي خلفهم الـ(جاما) بتاع المدينة. الحركة العصبية لطخت الدم على كل حاجبه. "آرثر حاول يحل الأمور دبلوماسيًا، بس..." ريتشارد بلع ريقه بصعوبة. "الأمور ساءت." بصيت لميدنا، وأنا قلقانة. إيه ممكن ريتشارد يقوله يكون وحش كفاية إنه يحفز حرب ظل بين الفصايل؟ "أخويا فين؟" سألت فجأة. "هو اتصاب جامد قد إيه؟" ريتشارد هز راسه. "هو مقدرش ينجو." انفجار من الدهب. كنت عايزة أرجع، عشان أتخلص من دليل الحقيقة. أبويا قام من على العرش، وإيديه مقفولة في هيئة قبضات مهددة. "أنت غلطان،" قال، بنبرة حادة لغضب مسيطر عليه. "آرثر محارب مثالي، أكتر من قادر إنه يتعامل مع الصعاب دي. أنا علمته بنفسي." ريتشارد بلع ريقه بصعوبة. "أنا عارف يا سيدي، بس —" "اسكت!" موجة سيطرة غير مرئية خبطت في روسنا. ميدنا مكنتش واخدة بالها منها، زي أي حد مش من فصيلتنا، وعشان كده أكيد كان غريب أوي بالنسبالها لما ريتشارد انهار ع الأرض وكور نفسه زي الكورة وهو بيعيط. أنا كنت متعودة شوية على قوة إرادة أبويا وقدرت أستحمل الضربة العقلية، لكن ضهري من تحت وجعني من المجهود. "ابني فين؟" طالب الـ(ألفا) بتاع المدينة إنه يعرف. "جسمه في وسط البلد،" ريتشارد قال، وهو بيبلع ريقه بصعوبة. "اضطريت أسيبه ورايا –" أبويا ضربه برجله، وجت في جنب ريتشارد المجروح. كان فيه صوت تكسير عضم مسموع، ووراه عواء ألم يصم الآذان. "إزاي تتجرأ تكدب عليا؟" ضربة تانية، صرخة تانية. ميدنا اتحركت لقدام، بس أنا مسكت رسغها وثبتها في مكانها، وهزيت راسي للنظرة المتوسلة اللي بعتتهالي. أبويا كان بينفّس عن غضبه. إحنا بس هنبقى الأهداف الجديدة لغضبه لو حاولنا نتدخل. "أنا مش بكدب،" ريتشارد شهق، وهو بيحمي وشه على قد ما يقدر. "آرثر مات." دهب. المعلومة اللي سحري قدمهالي كان مستحيل النقاش فيها، ورمتني بشكل غير عادل وخلتني أعدي أول مرحلة من مراحل الحزن. مكنتش عايزة أعترف بوفاة آرثر؛ زي أي حد تاني، كنت عايزة أتشبث بالأمل إن حبيبي ممكن يكون لسه عايش. لكني كنت ملعونة إني أعرف الحقيقة، حتى من غير جثة كدليل. "اقف." صوتي طلع مخنوق، يا دوب مسموع لوداني. نضفت حلقي وحاولت تاني. "يا بابا، اقف. هو بيقول الحقيقة." أبويا وقف فجأة وهو بيرتعش. "أنتِ لسه ناديتيني قلتِ إيه؟" بابا. حسيت إنها غلط وهي طالعة من بقي؛ تذكرة قاسية بالوقت اللي أمي كانت فيه عايشة، بس أنا كنت محتاجة انتباه فورد واستحضار ذكراها كان أكيد هيجيبه. "ريتشارد بيقول الحقيقة،" قلت، وأنا حريصة إني أحافظ على وضعية خاضعة نسبيًا، وإيديا مرفوعة في علامة الاستسلام العالمية. مكنتش عايزاه يفهم تأكيدي للحقايق كتحدي لسلطته. "موهبتي بتقول كده." "موهبتك..." معنى كلامي أخيرًا وصله. ده حيره تمامًا. "لأ. ده لا يمكن يكون صح." "هي دي الحقيقة،" قلت، وحسمت الموضوع. كانت فيه لحظة ألم صادق في عينيه قبل ما تتغيم بالغضب. المرة دي رجله نزلت على جنب راس ريتشارد، وثبتتها ع الأرض. "إزاي،" زمجر الـ(ألفا) بتاع المدينة من بين سنانه المقفولة، "إنك أنت تنجو بدل ابني؟" "مقدرتش أنقذه وأنا بكره نفسي عشان كده،" ريتشارد همس، وكل الروح اتسحبت منه. "كان أحسن صاحب ليا، بس ده مكنش كفاية." كلامه كان صادق. كنت أتمنى ميكونش صادق. كنت محتاجة حد ألومه، حد أعاقبه على الخسارة المدمرة دي. بس أنا عملت الصح وهزيت راسي ردًا على نظرة أبويا المتسائلة، بأكد اللي ريتشارد قاله. "حسنًا، أنتم عارفين ده معناه إيه،" أبويا قال، وهو بيوقف هجومه على الرسول اللي أخباره غيرت مسار حياتنا كلها. "إيه؟" سألت، بس أنا كنت عارفة هو هيقول إيه من نظرة الهزيمة المفاجئة على وش ميدنا. هي غمضت عينيها، كأنها بتجهز نفسها لضربة كلامية. "مش واضحة؟ مصاصين الدماء قتلوا ابني. لازم نروح نحارب."
تعليقات
إرسال تعليق