قصة أرض الذئاب - فانتازيا
أرض الذئاب
بقلم,
فانتازيا
مجانا
باحثة فولكلور اسمها "صنداي" بتسافر لبلدة "لا بوش" عشان تدرس أساطير قبيلة "الكويليوت" بخصوص تحولهم لذئاب. بتكتشف إن الأساطير دي مش مجرد حكايات قديمة، دي حاجة لسه عايشة والشباب مؤمنين بيها. بتتصدم لما بتسمع عن عيلة "كولين" الغامضة اللي عايشين في بلدة "فوركس" القريبة. شباب القبيلة بيلمحوا إن العيلة دي هما "الباردون" أو مصاصين دماء. صنداي بتلاقي نفسها في قلب صراع قديم وخطر بين الذئاب ومصاصين الدماء.
صنداي
باحثة ذكية وجريئة جاية من كنتاكي. بتحترم التقاليد وعندها فضول قوي ناحية "الأساطير الحية" ومابتحبش تسيب الأمور بسهولة.بيلي
زعيم القبيلة. راجل كبير وحكيم وقاعد على كرسي متحرك. هو حارس أسرار القبيلة، وبيختبر نوايا صنداي قبل ما يسمحلها تتكلم مع الشباب.بول
شاب من القبيلة، إنه قوي وعصبي. مش بيثق في الغربا بسهولة وعنده موقف عدائي واضح ناحية عيلة "كولين"، وشكله عارف أسرار كتير.
كان الطريق للا بوش بيلف زي سؤال حد نسي يجاوب عليه. صنداي خففت رجلها من على دواسة البنزين والغابة عمالة تقرب أكتر، وأشجار الصنوبر واقفة زي الحراس في المطر، عالية زي يوم الحساب. عربيتها الصغيرة اللي مأجراها طلعت صوت أنين لما خبطت في حفرة تانية في الزلط. مع ذلك، نزلت إزاز الشباك. كانت بتحب تشم ريحة الأماكن قبل ما تقابل أهلها. ملح. خشب أرز. حاجة قديمة. كانت سامعة صوت عمتها الكبيرة إلنورا زي صباع بيخبط على قفاها: "ما تثقيش في مكان الهوا بتاعه مش مظبوط، يا حبيبتي. الأماكن ليها ذاكرة، زيها زي الناس بالظبط." لا بوش كانت ريحتها زي الذاكرة. زي لحاء شجر متقشر ومتروك عشان يتعفن. زي نار عمرها ما انطفت تمامًا. صنداي مسكت شنطتها الجلد القديمة اللي جنبها على الكرسي—شنطة مستعملة مليانة دفاتر ملاحظات صفرا، وأقلام، وجهاز تسجيل رقمي، ودفتر ملاحظات ميداني أطرافه متنية وعليه بقع قهوة. كل حاجة كانت محتاجاها عشان تفهم الحكايات اللي المكان ده شايلها. هي ما جتش واشنطن عشان تتفسح. ولا عشان الجو. ولا عشان تهرب وتدور على نفسها. هي كانت هنا عشان الشغل. شعب الكويليوت كان عندهم واحد من أغنى تقاليد الحكي الشفهي السليمة في أمريكا الشمالية—حكايات عن محاربين أرواح ومتحولين، عن أجداد كانوا في يوم من الأيام بيمشوا كذئاب ولسه بيحموا سلالتهم لحد النهاردة. كانت قرت عنهم في كتاب أنثروبولوجيا قديم ومترب من السبعينات مستخبي في آخر أرشيف جامعتها. معظم الأساطير اللي زي دي كانت اتحجرت من زمان، متشالة في كتب ومتاحف. لكن الأسطورة دي كانت لسه بتتنفس. لسه بتتنقل من بوق لبوق. لسه عايشة في أصوات الشباب. ده اللي شدها. أسطورة حية. فرصة عشان تفهم إزاي الحكايات مش بس بتعيش، لكن كمان بتتطور. كانت عايزة توثق إزاي المعتقدات دي محافظة على شكلها وسط المراهقين—دردشات جماعية وماتشات سلة من ناحية، وأرواح ذئاب من الناحية التانية. الموضوع ده كان ساحرها. ولو كانت صريحة مع نفسها، ده كان بيفكرها ببيتها. بيتيرليك، في كنتاكي، ما كانش فيها محاربين أرواح، بس كان فيها تحذيراتها الخاصة. ما تكنسش على رجلين حد. ما تهزش كرسي فاضي. ما تناديش على حاجة باسمها لو مش عايزها تيجي. الدنيا ما كانتش محتاجة تكون خارقة للطبيعة عشان تبقى غريبة. صنداي ركنت قدام مبنى واطي من خشب الأرز عليه يافطة خشب محفورة: مكتب المجلس القبلي - أمة الكويليوت. ساحة الانتظار كانت تقريبًا فاضية، ما عدا عربية نص نقل زرقا متهالكة وغراب واحد كان بيتمشى على الزلط كأنه في دورية. طفت الموتور. السكون المفاجئ كان يصم الآذان. مفيش أصوات. مفيش هوا. الشجر ما بيتحركش. نزلت من العربية، جزمتها عملت صوت على الأرض. برودة اتسللت تحت بالطوها كأنها عارفاها. الضباب كان بيزحف على أرض الغابة في هفوات، من النوع اللي بيفضل قريب من الأرض ومابيحبش حد يلاحظه. صنداي عدلت حزام شنطتها على صدرها ومشت على الممر الحجري لحد الأبواب الأمامية. كل خطوة كانت حاساها عالية أوي، وحاسمة أوي. الهوا كان رطب بمطر لسه مانزلش. المكان كله كانت ريحته زي مجرى النهر والصدا. وقفت عند الباب. قلبها كان بيدق أسرع من المفروض. يمكن توتر. يمكن عشان مانمتش تقريبًا في الطيارة. أو يمكن بسبب إن كل شعرة في دراعاتها وقفت أول ما عدت ودخلت لا بوش. حاجة في المكان ده كانت تحسس إن... فيه حد بيراقب. بصت بصة سريعة على انعكاسها في الإزاز: شعر أشقر ناعم مموج ملموم بمشبك، خدود محمرة من الهوا، نمش بارز زي النجوم. كان شكلها زي واحدة متربية على رعد الجبال والقهوة السادة. وده كان حقيقي. إنتي جيتي هنا عشان الحكايات، قالت لنفسها. يبقى يلا روحي هاتي واحدة. أخدت نفس، وفتحت الباب. المبنى كانت ريحته خشب أرز وورق قديم، مع ريحة خفيفة لحاجة أدفى—قهوة، يمكن. أو مريمية. ست في مكتب الاستقبال حيتها بابتسامة مهذبة بس مسألتهاش عن اسمها. صنداي قالت اسمها برضه. "أنا صنداي كينكيد. أنا هنا عشان أقابل الرئيس بلاك." الست هزت راسها مرة واحدة. "هو مستنيك. المكتب آخر الطرقة، آخر باب على الشمال." صنداي هزت راسها عشان تشكرها، بس ريقها كان نشف. صوت جزمتها كان بيرن في الممر كأنه مش مكانه. الطرقة كانت مليانة صور متبروزة—صور أبيض وأسود لشيوخ كبار، وصور ملونة لرقصات احتفالية، وقصاصة جرايد بهتانة مكتوب عليها حاجة عن هجوم حيوان مفترس بخط مش واضح. ما وقفتش عشان تقراها. في آخر الطرقة، كان فيه باب واحد موارب شوية. يافطة خشب مكتوب عليها: الرئيس بيلي بلاك. رفعت إيدها عشان تخبط، وقلبها كان عمال يخبط كأنه عايز يخرج. بعدها— صوت جه من جوه: عميق، وهادي، وعارف. "ادخلي." المكتب كان دافي ونوره خافت، منور بلمبة مكتب واحدة وشباك واسع مليان بنور فبراير الرمادي. أرفف كتب مغطية الحيطة اللي في الوش، مليانة ملفات تخينة، وملفات قانونية، وحاجات شكلها مجسمات صغيرة منحوتة بالإيد محطوطة بين صور متبروزة. الدفاية كانت بتزن بصوت واطي. ريحة خشب الأرز والقهوة كانت أقوى هنا، وفيها ريحة خفيفة لحاجة أحد—زي تبغ لسه ماتولعش. بيلي بلاك كان قاعد ورا المكتب، لابس سترة صوف تقيلة على كتافه. شعره كان غامق بس فيه خصل فضي عند الصدغين، طويل ومضفر لورا. كرسيه المتحرك معملش صوت تقريبًا وهو بيلف ناحيتها شوية، بيبصلها بصة كأنه خلاص فهمها ومستني بس يشوف هي هتأكد ده ولا لأ. "إنتي صنداي كينكيد؟" سألها، مع إنه كان عارف. ابتسمت نص ابتسامة. "أيوه، يا فندم. اتولدت يوم حد، اتعمدت يوم تلات، وأخدت أول علقة يوم الجمعة." ابتسم ابتسامة خفيفة على كلامها. "كنت مستنيكي." قربت خطوة، وخلعت بالطوها وحطيته على دراعها. كانت لابسة تحتيه جيبة صوف غامقة، وكولون تخين، وجزمة شافت تراب أكتر ما شافت سجاد. شعرها كان هايش شوية من الهوا، بس كان شكلها جاهز لنزهة كنسية أو لمطاردة أشباح، حسب اليوم هيمشي إزاي. "متشكرة إنك اديتني من وقتك،" قالت وهي بتقرب وتمد إيدها. مسك إيدها جامد—إيده كانت خشنة ودافية. "اقعدي." قعدت قدامه، وطلعت كراسة من شنطتها الجلد وفتحت على صفحة نضيفة. كعب الكراسة طق، والصوت كان عالي في الأوضة الساكتة. "أتخيل إن الجامعة بعتت لحضرتك المقترح،" بدأت كلامها. "بس عشان أوضح بصوتي أنا—أنا باشتغل على مشروع دراسة ميدانية لرسالة التخرج بتاعتي في جامعة ويسترن كارولاينا. تركيزي على الفولكلور الأمريكي المعاصر، تحديدًا إزاي الحكايات الشفهية التقليدية بتتنقل لمجتمعات الشباب." بيلي ما قالش حاجة، بس فضل باصصلها من فوق صوابعه اللي شابكها في بعض. "أنا اتربيت في بلدة الناس فيها لسه ما بيكنسوش على رجلين حد أو يهزوا كرسي فاضي. بس بيضحكوا وهما بيقولوا كده،" كملت كلامها. "اللي مهتمة بيه هو الخط ده—النقطة اللي بيتحول فيها الاعتقاد لذاكرة. والنقطة اللي التقاليد بتتحول فيها لهوية." هز راسه ببطء وتفكير، ولسه ساكت. "أنا قريت بالصدفة عن أساطير شعبكم في مقابلة متسجلة من السبعينات—حاجة عن محاربين أرواح. الموضوع علق معايا. مش بس محتوى الحكايات، لكن حقيقة إنها لسه بتتحكي للأجيال الأصغر. ده نادر. خصوصًا في أمريكا." بيلي سند ضهره لورا. الجلد طلع صوت. "إنتي مش عايزة الحكاية،" قال بصوت واطي. "إنتي عايزة اللي بيحكي الحكاية." صنداي رمشت، وبعدين ابتسمت ابتسامة خفيفة. "بص يا فندم، لو كنت بدور على الحكاية بس، كان ممكن أقعد في بيتي وأتفرج على فيلم وثائقي." الكلام ده خلاه يبتسم ابتسامة خفيفة تانية، باهتة بس حقيقية. خبطت بقلمها الرصاص على الورقة، بتفكير. "أنا مخططة أقعد لغاية آخر الصيف. أنا مرتبة السكن ومصروف بسيط عن طريق الجامعة. أنا مش هنا عشان أستغل أو أنقل صورة غلط. أنا بس عايزة أسمع. وأكتب. وأفهم." بيلي سكت تاني. وبعدين قال: "الفهم ده حاجة بتفلت." "من خبرتي،" قالت، "معظم الحاجات الحقيقية كده." الصمت طول بينهم. الهوا زق إزاز الشباك بالراحة. في مكان ما في المبنى، الدفاية اشتغلت بصوت خبطة مكتومة. بيلي هز راسه في الآخر هزة صغيرة، وعينيه بقت حادة أكتر. "عندك أسئلة؟" صنداي هزت راسها. "عندي، لو حضرتك ما عندكش مانع." شاورلها بإيده. كملي. نضفت زورها. "أنا قريت إن شعب الكويليوت عندهم حكاية عن إنهم منحدرين من الذئاب—مش بس كرمز أو مجاز، لكن بالروح. إن أول محارب اتغير من ذئب رجع بقى راجل. الناس لسه بتحكي الحكاية دي؟" إجابة بيلي جت ببطء: "فيه حكايات ما بتعجزش. هي بس بتستنى." ميلت راسها. "لسه بتتحكي للعيال؟ ولا بس بيخلوها للاحتفالات؟" هو لم يُجب على ذلك مباشرة. "العيال عارفين اللي هما محتاجينه." صنداي دونت ملاحظة. "وهل فيه قصص بتتورث بس في العائلات؟ قصص مش بتتقال للناس؟" نظرة بيلي أصبحت حادة. "قصدك يعني فيه قصص مش هتتقالك؟" "أظن ماليش حق في كل حاجة،" قالت بنعومة. "بس أقدر أسأل." ده خلاه يضحك بصوت واطي ومبحوح. "كلامك بيقول إنك متربية صح. أو على الأقل ربتك واحدة مابتستحملش العبط." "عمتي الكبيرة إلنورا،" قالت بفخر. "كانت دايمًا تقول: الحكاية هتتكلم لما تكون جاهزة. ولو متكلمتش، دي حاجة تخصها." هز راسه ببطء، وهو مبسوط بشكل واضح. "شكلها واحدة أعرف أتكلم معاها." صنداي مالت لقدام شوية. "هل فيه قصص بتتحكي هنا دلوقتي بشكل مختلف عن من ميت سنة فاتوا؟ هل بيتطوروا؟" "كل الكائنات الحية بتعمل كده." عضت على شفتها، وقلمها بيخبط على ركبتها. "هل تفتكر—" اترددت. "هل تفتكر القصص بتحمي الناس؟" صوت بيلي كان ناعم المرة دي. "أحيانًا. وأحيانًا بيحذروكي مين اللي ماتثقيش فيه." صنداي هزت راسها، بتفكير. "كان عندنا واحدة في بلدنا. عن كلب أسود بيمشي ورا المذنبين. الناس كانوا بيقولوا لو شفته مرة، لازم تغير حياتك. لو شفته مرتين، يبقى خلاص الأوان فات." "كل مكان وله أنياب،" بيلي قال، كأنها دعاء. ابتسمت، ابتسامة بطيئة وحقيقية. "عاجبني ده." الصمت بينهم بقى دافي بدل ما يكون محرج. موزون. متبادل. بيلي شبك إيديه. "إنتي هتحتاجي تتكلمي مع المراهقين. ده اللي إنتي بتدوري عليه، صح؟" "أيوه، يا فندم. لو هما موافقين. كنت بتمنى أزور المدرسة الثانوية." هز راسه، وأخيرًا ادى حاجة أكيدة. "تقدري تبدأي بكرة. أنا هعمل تليفون." صنداي اتنهدت. "شكرًا. بجد." "هتحتاجي تكسبي ثقتهم،" قال ونظرته ضاقت شوية. "دول مش عيال مدن. مش بيتفتحوا في الكلام بسهولة." ابتسمت، وهي بتدون آخر ملاحظة. "وأنا كمان مش كده." بيلي ضحك. "يبقى هتنسجمي معاهم تمام." ✧・゚✧・゚✧・゚✧・゚✧・゚✧ المطر كان خفيف بس مستمر، من النوع اللي بيغرق من غير ما ينزل بجد. كان بيهمس على الإزاز الأمامي وصنداي كينكيد قاعدة في كرسي السواق في عربيتها المستأجرة، بتتفرج على الطلاب وهما بيتسللوا للمباني المطلية بالأحمر لمدرسة لا بوش الثانوية. كانوا بيتحركوا في مجموعات متقاربة، مغطيين راسهم، وضحكهم واطي. خطواتهم ماكانتش بتعمل صوت على الرصيف المبلول. الغابة كانت ضاغطة وقريبة ورا المدرسة، جدار من الجذوع المغطاة بالطحالب والأغصان ذات الإبر السوداء، كأن الأرض نفسها بتتجسس. صنداي طفت الموتور وفتحت شباكها يا دوب كفاية عشان تتنفس هوا الصبح. ريحة تراب. ريحة ملح. زي دخان خشب عمره ما انطفى تمامًا. نزلت، جزمتها خبطت في زلط بارد مليان برك، ونفسها عمل بخار في برد فبراير. بالطوها الصوف كان مبلول عند الأكمام، بس هي ما استعجلتش. سابت المطر يلاقيها. سابت المكان يستقر حوالين عضمها. جوه، طرقات المدرسة كانت ريحتها شمع أرضيات وبراية أقلام رصاص قديمة، مع ريحة خفيفة لحاجة أدفى—كاكاو سخن، يمكن. الطلاب كانوا بيعدوا من جنبها بنظرات جانبية، وكوتشياتهم بتزيق، وكلامهم بيوطى أول ما تعدي. أوضة المذاكرة كانت مستخبية جنب المكتبة—مساحة مربعة بكراسي مش لايقة على بعض، ودفاية بتزن، وحيطان متغطية برسومات طلاب بهتانة. هي وصلت بدري. كويس. وقت عشان تستوعب جو المكان. العيال بدأوا يدخلوا واحد ورا واحد. أربعة في الأول: تلات بنات وولد طويل وعضمه بارز شكله لسه ما ملاش جسمه. أخدوا كراسيهم بالتردد المنحني ده اللي بيميز المراهقين لما يتقالهم يبقوا مهذبين. صنداي حيتهم بابتسامة دافية كفاية تسيح الشمع. "صباح الخير، يا جماعة. أنا صنداي كينكيد، وجيت من طريق طويل عشان أسمع اللي عندكم تقولوه. أنا بدرس الفولكلور—حكايات، وتقاليد، وحاجات بتتنقل بالكلام مش في الكتب المدرسية." هما رمشوا. بنت واحدة ابتسمت في المقابل، بحذر بس بفضول. "أنا مهتمة بشكل خاص بالمكان ده،" صنداي كملت، وهي بتحط شنطتها الجلد جنبها. "بحكايات الكويليوت، اللي لسه بتتحكي. واللي لسه عايشينها، زي ما أظن." ده خلاهم يبصوا لبعض كام مرة. عدت لحظة. بعدها البنت اللي بضفيرة طويلة وتقويم—مايا—اتكلمت. "قصدك زي... الذئاب؟" صنداي هزت راسها، وهي بتفتح كراستها. "دي بداية كويسة." "حكايات نار المخيم،" قال الولد الطويل—سيليب، زي ما عرفت. "دايمًا بيحكوا الحكاية بتاعة المحاربين اللي بيتحولوا لذئاب عشان يحموا القبيلة. أظن كل عيل هنا سمعها دستة مرات." "أكتر من مية،" مايا تمتمت، وهي بتبتسم. "هل هي لسه ليها معنى عندكم؟" صنداي سألت بلطف. "ولا هي مجرد... تقليد؟" البنت التالتة—كايلا، كلها كحل وإيدين هادية—ميلت راسها. "أعتقد لسه ليها معنى. مش حرفيًا، يعني، إننا بنتحول لذئاب، بس... بتعلمك إنت مين. إنت جاي منين. وبتحمي إيه." قلم صنداي اتحرك بنعومة، وراسها بتهز بموافقة هادية. "ده أصل الفولكلور، أهه. الهوية في الحكاية." الكلام بدأ يزيد. اتكلموا عن نيران المخيم—إزاي كانت بتطرقع وتفرقع تحت القمر، وإزاي أصوات الكبار كانت بتتشال زي الجمر في الضلمة. وإزاي حكاية الذئب دايمًا بتيجي في الآخر، وإزاي كل واحد، حتى العيال اللي بيدعوا إنهم مش مهتمين، كانوا بيسكتوا لما تبدأ. وبعدين حد وطى صوته. "سمعتي عن عيلة كولين؟" مايا سألت، يا دوب بصوت مسموع. صنداي مابينتش أي رد فعل. بس فضلت تكتب. "هما من فوركس،" سيليب قال. "يعني، مش من هناك. هما نقلوا، وبعدين مشيوا. ودلوقتي رجعوا تاني." "هما غراب،" كايلا قالت. "كاملين أوي. زي... كمال غلط." "فيه حكاية،" مايا ضافت، "عن مخلوقات بشرتها شاحبة—الباردين. جدتي كانت بتسميهم 'اللي بيمشوا في الدم' لما كانت صغيرة. كانت بتقول إنهم بيشربوا دم الغزلان لحد ما ينشف. ودم الناس." كايلا ضحكت بسخرية. "دي مجرد حكاية." "بس عيلة كولين شكلهم زي الباردين،" مايا أصرت. "بيض أوي. وهاديين أوي." "هما ما بيجوش لا بوش،" سيليب ضاف. "أبدًا." صنداي مالت لقدام سنة بسيطة. "ليه لأ؟" جيسي، آخر بنت، اللي كانت ساكتة لحد دلوقتي، همست، "عشان مش مرحب بيهم." الأوضة سكتت. حتى الدفاية كأنها سكتت هي كمان. بعدها—خطوات في الطرقة. تقيلة، وموزونة، ومتعمدة. الباب اتفتح. ولدين دخلوا، وكل جزئ هوا في الأوضة رتب نفسه من تاني. الأولاني دخل زي فتيل مولع أصلًا—طويل، بعضلات، شعره محلوق قصير ومبلول من المطر، عينيه ضيقة كأنه متعود محدش يثق فيه. طاقته كانت بتفرقع، بتغلي تحت جلده زي برق مربوط بسلسلة. بول لاهوت. التاني ماشي وراه علطول—عريض زيه، عينيه غامقة، أهدى. نظرته كانت فضولية أكتر ما هي حادة، بس يقظة بنفس الدرجة. كان بيتحرك زي واحد قضى وقت طويل أوي في السكوت واتعلم يسمع من خلاله. جاريد كاميرون. هما ما قعدوش علطول. بس وقفوا، بيمسحوا الأوضة بعنيهم، ووجودهم شد كل حاجة. الطلاب التانيين فجأة بان عليهم إنهم أصغر، وأقل حجمًا. الضحك اختفى. "انتوا هنا عشان تنضموا لينا؟" صنداي سألت بسهولة مهذبة، بس ضهرها كان مفرود زي عمود سياج. "بيلي بعتنا،" جاريد قال. صوته كان هادي، وواطي. "قال إنك بتسألي عن الحكايات." "أنا دايمًا بسأل،" صنداي ردت. بول ميل راسه شوية، عينيه ركزت على وشها بحاجة صعبة تتقري. مش شك بالظبط. ومش عداء. بس... حسابات. كأنه بيحاول يفهم هي خطيرة ولا بس عبيطة. هما أخدوا آخر كرسيين. محدش تاني اتكلم. فصنداي هي اللي اتكلمت. "أنا بجمع الأساطير المحلية،" قالت. "أنا مهتمة بإيه اللي بيتنقل وليه. خصوصًا إزاي القصص دي بتتغير—أو لأ—في الأجيال الأصغر." رجعت بصت لمايا. "كنتي بتقولي إن عيلة كولين مش بييجوا هنا." مايا هزت راسها ببطء. "هما عايشين بره فوركس بشوية. بيت كبير. كلهم متبنين، بس زي ما يكونوا، قريبين من بعض بشكل غريب. شاحبين زي الملح. حلوين. هما مشيوا فترة حسب ما الكبار بيقولوا. وبعدين رجعوا. محدش مبسوط بده." "ليه؟" صنداي سألت. كايلا فتحت بقها، وبعدين سكتت. صوت بول قطع الكلام بدالها، واطي وحاد. "عشان هما مش مكانهم هنا." ده سكت الأوضة تاني. حتى جاريد بص له بجنب عينه. "هما مش من القبيلة،" بول كمل. "هما حتى مش حقيقيين. هما... حاجة تانية." صنداي ميلت راسها. "إنت بتتكلم كأنك عارف." بول بص في عنيها مباشرة. "فيه قصص مش متألفة. هي بس... متغطي عليها." جاريد مال لقدام، وكوعه على ركبته، وصوته أنعم. "الناس فاكرة الأساطير قديمة. وإنها خلاص ورا ضهرنا. بس ماذا لو كانت قدامنا؟" "ماذا لو كنتوا لسه مخلصتوش عيشها؟" بول ضاف، وعينيه منزلهاش من عليها. صنداي حست إن جلدها قشعر. ده ماكنش خوف. مش بالظبط. ده كان زي إدراك. زي ما الحيوانات بتحس بالعواصف قبل ما السحاب يتجمع. ابتسمت ابتسامة خافتة، بتخبي الهمهمة اللي تحت ضلوعها. "أنا اتربيت في مكان الناس فيه كانت بتسيب عملات معدنية عند مفارق الطرق ويدقوا حداوي حصنة فوق بيبانهم. هما برضه مكنوش بيؤمنوا بالوحوش. بس أكيد كانوا بيتصرفوا كأنهم بيؤمنوا." بول رمش، اتفاجئ لأول مرة. "إنتي بتصدقي أي حاجة من دي؟" جاريد سأل. "أنا بصدق في القصص اللي مابتموتش،" صنداي قالت. "وفي الناس اللي شكلهم زي ما يكونوا عاشوا القصص دي." لحظة تانية. الجرس ضرب، عالي ونهائي. الكراسي اتسحبت لورا. الطلاب الصغيرين لموا حاجتهم وخرجوا، أصواتهم واطية، بيبصوا بصات خاطفة لورا ناحية صنداي، وبول، وجاريد. الولدين فضلوا واقفين. صنداي حطت قلمها ورا ودنها وقفلت سوستة كراستها. "انتوا الاتنين هتفضلوا تتكلموا بالألغاز؟" سألت، وهي بتقوم من مكانها. "ولا المفروض أجيب لكم شاي مسكر وورق تاروت المرة الجاية؟" بول ابتسم ابتسامة جانبية، يا دوب باينة. "إنتي مش هتصدقي الحقيقة لو قولنالك." جاريد بصلها آخر بصة، بيقيمها. "كملي اسألي. بس ماتتفاجئيش لو الإجابات معجبتكيش." هما مشيوا من غير ولا كلمة زيادة. وصنداي وقفت في الأوضة الساكتة، قلبها بيدق في السكوت اللي سابوه وراهم. بره، المطر كان بيرزع أقوى. الشجر اتميل شوية، كأنه بينحني لحاجة قديمة. هي جت هنا عشان الحكايات. بس حاجة قالتلها إنها دخلت برجليها في واحدة من النوع الخطر. ✧・゚✧・゚✧・゚✧・゚✧・゚✧ المطر بقى له إيقاع دلوقتي. طبلة ناعمة ومابتخلصش على السقف، وخبط بطئ على الشبابيك زي شبح عايز يدخل. كان بينزل من الصبح من غير توقف، بيستقر في كل شق في البلدة الساحلية كأنه مكانه هنا أكتر منها. صنداي لويز كينكيد كانت قاعدة مربعة على الأرضية الخشب لشقتها الصغيرة اللي فوق، ضهرها ساند على الدفاية اللي بتصوصو زي قطة عجوزة نعسانة. الحرارة كانت يا دوب كافية تطرد الرطوبة، بس هي كانت حباها برضه—كانت حابة التناقض بين الهوا الدافي والإزاز الساقع، والطريقة اللي الضباب كان بيزحف بيها على أركان الأوضة ويكور كأنه ناوي يقعد شوية. الشقة كانت صندرة متحولة فوق محل الطُعم المحلي—مبنى قصير مدهون بلون دقيق الدرة القديم، مستخبي قرب طرف البلدة عند حتة الطريق فيها بيضيق والغابة بتميل قريبة. صاحب البيت، راجل كتافه عريضة اسمه كارل عنده كلب شرس ومبيثقش في كروت الائتمان، كان ادهالها المفتاح اللي فوق وحذرها ماتسيبش أكل جنب الشباك. قالها: "الراكون بيبقى جريء في الشتا. مفيش حاجة أحسن يعملوها." صنداي ماكانش عندها مانع. الشقة كان ليها طابع. سقوف مايلة. وأرضيات خشب بتزيق كأنها بتنضف زورها. السرير كان محطوط في ركن مايل تحت شباك مربع صغير، حطت فيه لحاف من بيتها—نجوم زرقا في أبيض مخيطاه إيدين عمتها الكبيرة إلنورا. كان فيه طاسة حديد زهر متعلقة على الحيطة جنب البوتجاز، وصف من الخزامى المجفف مربوط في ماسورة الستارة، ومجموعة مجات اتضاعفت أصلًا من ساعة ما وصلت. دلوقتي، المكان كان شكله كأن عاصفة عدت فيه: كراسات مفتوحة، أقلام من غير غطيان، جهاز التسجيل بينور ويطفي بهدوء جنبها. طبق فيه بقايا عصيدة سريعة التحضير برد على ترابيزة القهوة، وتلات مجات جنبه—واحد فاضي، وواحد منسي، وواحد بيبرد بسرعة. الهوا كانت ريحته ورق شاي، وفلانيلا متربة، وصنوبر قديم. صنداي كانت قاعدة مربعة بشرابات تخينة وقميص فلانيلا مستلفاه، شعرها سايب ومبلول عند الأطراف. خدودها كانت محمرة من دفا الدفاية، بس عقلها كان على بعد ألف ميل. كانت قضت الساعة اللي فاتت بتعيد قراية ملاحظاتها من مقابلات المدرسة الثانوية، بتعيد كتابة الجمل الرئيسية بخطها الأنضف، وبتحط خط تحت اللي كان بارز. كان فيه رموز بتتكون. تكرارات. توترات مش قادرة تحددها بالظبط. كلمات معمولة عليها دواير تاني وتالت: ذئاب. حماة. الباردون. آل كولين. قلمها كان بيخبط بتوهان على الورقة. مكنتش متوقعاهم. عيلة فوركس اللي جلدهم شتوي وعنيهم منورة زي النار. المراهقين مكنوش عارفين هما بيقولوا إيه، مش بجد. بس حاجة في الأوضة كانت عارفة. حاجة اتغيرت أول ما بول لاهوت وجاريد كاميرون دخلوا. الطريقة اللي كانوا بيبصوا لها بيها. الطريقة اللي قفلوا بيها كلام أول ما سيرة آل كولين جت. الطريقة اللي حاولوا مايقولوش كتير—وفشلوا يا دوب كفاية عشان يخلوا الموضوع أسوأ. مدت إيدها لكراسة نضيفة، واحدة بتستخدمها لرسم خرايط النظريات، وبدأت ترسم خطوط بين المفاهيم: أساطير الكويليوت $\leftarrow$ محاربين أرواح $\leftarrow$ ذئاب $\leftarrow$ حماية $\leftarrow$ منطقة $\leftarrow$ غربا $\leftarrow$ عيلة كولين $\leftarrow$ الباردون. عملت دايرة حوالين جملة "الباردون" وكتبت تحتها بخط صغير ودقيق: جدة مايا كانت بتسميهم "اللي بيمشوا في الدم". مربوطين بالبشرة الشاحبة. شبه آل كولين. عنيها ضاقت وهي بتقلب في ملاحظاتها تاني. "هما ما بيجوش هنا." "هما عارفين كويس." "مش مرحب بيهم." "هما حتى مش حقيقيين." "بعض القصص بس متغطي عليها." صنداي سندت ضهرها على الدفاية، والكراسة على حجرها، وطلعت نفس. الفكرة كانت بتعوم في دماغها من ساعة ما المطر بدأ—بتقرقط فيها زي همسة ورا الحيطة. فضلت باصة من الشباك للحظة طويلة. الشجر الناحية التانية من الشارع كان بيتميل ويترنح في العاصفة. الضلال اللي بينهم ما اتحركتش. ماكنتش محتاجة. هما أصلًا كانوا بيسمعوا. بعدها، بطلعة نفس حادة، مدت إيدها لتليفونها. الشاشة نورت وشها بلون أزرق باهت وهي بتنزل في قايمة أرقامها. دكتور ت. رينولدز — مستشارها، ومعلمها، واللي بيساعدها أحيانًا. دست اتصال. رنتين. بعدها: "صنداي. لسه بتمطر عندك ولا المحيط بلعك خلاص؟" ابتسمت. "بتمطر بغزارة أوي يا دكتور." "كويس. ده معناه إنك في المكان اللي المفروض تكوني فيه." استقرت أكتر على السجادة، ولفت دراعها الفاضي حوالين ركبتها. "عندك دقيقة؟" "عشانك؟ دايمًا." "عندي نظرية. ممكن تفتكر إني خلاص اتجننت." "هي دي فايدة النظريات. قوليلي عليها." اترددت، صوتها بقى أهدى. "عايزة أوسع نطاق البحث." "لإيه؟" "لفوركس." حصل صمت، من النوع اللي خلى بطنها توجعها. "أنا قابلت أربع طلاب النهاردة في مدرسة لا بوش،" قالت بسرعة. "كلهم كانوا عارفين أساطير الذئاب بتاعة القبيلة. اتكلموا عن محاربين أرواح، ومتحولين، وحماة قدام. بعضه كان متقدم كتقليد، بس بعضه—" كشرت. "بعضه كان محسوس إنه معاش. لسه نشط." هو سابها تتكلم. كملت. "جابوا سيرة عيلة. آل كولين. غربا. من سكان فوركس دلوقتي. بشرة شاحبة، غامضين. بعضهم قال إنهم مرتبطين بـ 'الباردون'—القصص الأقدم. بس كله سكت بسرعة. خصوصًا لما ولدين دخلوا. بول لاهوت. وجاريد كاميرون." "الاسم ده مألوف..." رينولدز تمتم. "هما مهمين. مش رسميًا، بس اجتماعيًا. وكانوا بيتكلموا كأنهم قاعدين على قنبلة موقوتة. عن آل كولين. وعن إيه اللي ماينفعش يتقال." صمت تاني. "طيب عايزة تعملي إيه؟" "عايزة أتكلم مع طلاب مدرسة فوركس. أشوف لو القصص بتتنقل لهناك. و... عايزة أحاول أعمل مقابلة مع آل كولين." الصمت دلوقتي كان كامل. موزون. قلب صنداي كان بيدق ببطء بس بقوة. اتفرجت على الضباب وهو بيزحف على إزاز الشباك كأنه بيتنفس. "إنتي عايزة تروحي تناكفي الدب،" قال أخيرًا. "أنا عايزة أعرف لو الدب ده حقيقي." دكتور رينولدز طلع نفس بطئ على الخط. "شايفة إنهم متورطين في الأساطير دي بشكل ما؟" "أعتقد إن الأساطير ممكن تكون عنهم—أو على الأقل اتشكلت حواليهم." "شايفة إنهم مصاصين دماء؟" سأل، مستمتع بلطف. "لأ،" قالت. "أعتقد إنهم حاجة المجتمع مش عايز يعرفها. وده هو الفولكلور. دي الأسطورة وهي شغالة." صمت. "اسمعي، يا صنداي... ده ميبانش مجرد حكاية. ده يبان زي خط مرسوم في التراب. فاصل. لو آل كولين والقبيلة مش بيكلموا بعض، لو مش مرحب بيهم على الأرض، لو الكلام عنهم بالهمس وبحرارة—دي مش أسطورة. ده تار دم." "أنا عارفة،" قالت بهدوء. "بس الحكايات بتيجي من مكان ما،" ضاف. "حتى الوحش منها." فضلت باصة لملاحظاتها. اسم "كولين" معمول عليه دايرة تاني وتالت. "عايزة أشوف هيقولوا إيه،" قالت. "إيه روايتهم." "يبقى مش هوقفك،" قال. "بس يا صنداي..." "يا دكتور؟" "خدي بالك. اسألي أسئلتك. بس ماتنسيش—بعض الحكايات بتعض." ابتسمت ابتسامة خافتة. "أنا من الأبلاش. إحنا بنتفادى العضات من قبل ما يكون ليها أسامي عندنا." الخط قفل بعد كام دقيقة، والأوضة رجعت سكتت تاني. بره، العاصفة اتغيرت. صوتها بقى أعلى. غصن شجرة خربش في جنب البيت زي ضوافر بتتحك على شاشة. صنداي سابت التليفون، ومسكت قلمها، وكتبت آخر ملحوظة في ركن الصفحة. ألاقي الخط الفاصل بين الأسطورة والذاكرة. حطت تحته خطين. بعدين قفلت الكراسة. وهمست بصوت عالي، صوت واطي زي الدعاء، "شكلنا هنشوف لو آل كولين عايزين حد يفتكرهم." ✧・゚✧・゚✧・゚✧・゚✧・゚✧
تعليقات
إرسال تعليق