عمارة المهندسين - روايه اجتماعيه
عمارة المهندسين
بقلم,
اجتماعيه
مجانا
ملك، بنت عندها عين بتلقط كل تفصيلة في شارع الستين بالمهندسين، شارع هادي بيخبي وراه حاجات كتير. الفصل الأول بيورينا يومها العادي مع أهلها وجيرانها، اللي همّا الست سعدية الفضولية وعم إبراهيم البواب الغامض. ملك بتبدأ تشم ريحة سر كبير في العمارة دي بعد ما بتسمع همسات من جارهم الغامض وبتشوف عربية مش غريبة. القصة كلها بتدور حوالين إن الروتين ده مش أكتر من غطا لحاجات أخطر، وملك لازم تكشف المستخبي.
نادية
ست روتينية، بتعمل كل حاجة بدقة وكأنها بتحاول تحمي عيلتها من أي خطر. باين عليها إنها شايلة قلق كبير وخايفة من حاجة قديمة.ملك
بتحاول تتجاهل جمالها اللي بيجذب الأنظار وبتفضل تركز في الأسرار اللي بتدور حواليها. شخصيتها مثيرة ومحبة للتحقيق في خبايا الناس اللي حواليها.عم إبراهيم
راجل كبير غامض. ما بيتكلمش كتير، بس نظراته وإشاراته كافية إنها توصل بلاغات عن أي حد بيدخل العمارة.
صحيت من النوم على صوت "سعدية" جارتنا اللي في الدور الأرضي وهي بتزعق لبتاع الخضار بزعيق حامي كده،
ما بيتغيرش بقاله سنين. الصوت ده مش مضايقني قد ما هو بقى جزء أساسي من رتم شارع الستين في المهندسين.
رتم متخيط بصوت الباعة والزغزغة بتاعة بوابات العمارات القديمة. شيلت اللحاف التقيل وحسيت بالسقعة اللي داخلة من الشباك المقفول،
مع إني لسه في أول الخريف. في اللحظة دي، كنت أنا مجرد بنت بتفكر في سقف أوضتها المنقوش،
وعارفة إن الشارع الهادي ده من بره،
مخبي تحت بلاط الرصيف الملون حكايات وتفاصيل ماحدش غريب ممكن يلمحها أبدًا. نفضت عني النعاس وقومت قعدت،
بدور على مفتاح التشويق اللي في اليوم العادي ده.
وقفت قدام المراية القديمة بسرعة عشان ألبس أي حاجة مريحة،
أستعد ليوم مش عايزة فيه أي حاجة تعطل حركتي. ثانية واحدة كده، لقيت انعكاسي مسمرني مكاني:
قوامي المظبوط اللي بيبان أوي حتى تحت الهدوم الواسعة، عيني الواسعة اللي باين فيها شوية تعب خفيف، وشفايفي اللي لسه ما ابتسمتش.
أنا فاهمة إن الشكل ده بالنسبة لي حمل تقيل أكتر ما هو زينة،
ده مجرد ابتسامة خفيفة مني بتفتح ميات الأبواب اللي أنا أصلاً مش عايزة أدخلها.
طلعت تنهيدة، واديت ضهري للمراية، وكأني بتجاهل الجزء ده مني عشان أبدأ يوم مش بيستجيب لنداء المرايات، لكن لنداءات دماغي الزحمة بالأسئلة.
ريحة القهوة التركي والعيش السخن كانت هي المخرج الوحيد من سقعة الأوضة.
وصلت المطبخ لقيت أمي، "نادية"، واقفة ضهرها مفرود قدام البوتاجاز،
حركتها بالمللي ما بتتغيرش. "صباح الخير يا ملوكة، اتأخرتي النهاردة"، قالتها بنبرة مافيهاش لوم، لكن فيها نغمة قلق مكتوم دايمًا.
أنا عارفة إن ماما شايطة أسرار جوه قلبها، وبتعمل فطار العيلة كإنها بترص قطع الدومينو عشان ما تقعش،
وشايفة إن الروتين ده هو حماية ليها من العالم اللي بره. بوستها على خدها الناشف، وبدأت أرص سفرة الأكل في سكوت متفاهم،
سكوت مستخبي وراه كلام كتير ما اتقالش.
بابا، "عصام"، طلع من أوضة مكتبه لابس الروب الحرير بتاعه.
حركته دايمًا بطيئة ومحملة بتقل سنين من القعدة ورا مكاتب الحكومة الكبيرة اللي ما بتحكيش عن تفاصيلها. ما اتكلمش ولا كلمة،
اكتفى بابتسامة خافتة ليّ قبل ما يروح البلكونة عشان يقرأ صفحة الوفيات في الجرنال، ودي طقوسه اللي ما بتتغيرش.
صمته المهيب ده بيملا الشقة أكتر من دوشة التلفزيون اللي بيبقى سايبه مفتوح على نشرة الأخبار الصبح. كنت بتمنى أعرف إيه اللي شاغل باله بجد غير الصفحات المصفرة دي.
هل هو الماضي اللي شايله، ولا التحديات اللي مخبيها عننا كعيلة؟
طلعت أنا كمان البلكونة بعد بابا، مش عشان أقرأ الجرنال،
بس عشان أشم هوا الصبح المتشبع بريحة الشارع: عوادم العربيات القديمة، ريحة الياسمين من مدخل العمارة اللي قصادنا،
وصوت التوك توك اللي بيرن من بعيد. بصيت تحت، "عم إبراهيم" البواب، بيرش مية على الرصيف بمهارة مش متوقعة لواحد في سنه. حسيت إن المهندسين دي مش مجرد حي راقي،
دي شبكة عيون صاحية بتسجل كل حركة. ساندت على السور المعدني الساقع،
بلعب دور المراقب اللي ماحدش شايفه، وبدور على أول خيط إثارة في اليوم الرتيب ده اللي حلفت إنه مش هيمر كده.
نزلت السلم بسرعة عشان أجيب حاجة ماما نسيتها. عند الباب، لقيت "عم إبراهيم" مشغول أوي بينضف المقبض النحاس بتاع الباب.
رفع رأسه، وهزها ببطء، ودي إشارة كلنا في العمارة فاهمينها: "حد سأل عليكم".
إبراهيم ده ما بيتكلمش بصراحة أبدًا، كلامه دايمًا مستخبي ورا نظراته الغامضة وحركاته اللي بيتقنها. سألت نفسي مين اللي سأل المرة دي.
"المهندس شريف؟" سألته بنظرة شك، في إشارة لابن الجيران اللي أنا ما بديلوش أي اهتمام.
هز رأسه بالنفي، ورجعت نظرة الغموض على وشه تاني. حسيت إني لازم أدور بنفسي على الزائر المجهول ده، لأن السكوت في العمارة دي أكتر حاجة بتخبي الأسرار.
وأنا راجعة، اعترضت طريقي "سعدية"، جارة الدور الأرضي، وشها مدور وفضولها مالهوش حدود، كانت واقفة بتتصنت عند بابها.
"كنتي فين يا ملك؟"، سألتني وكإنها ضابطة بتحقق في جريمة.
"كنت باجيب البيض يا طنط". بصت سعدية للكيس بعين فاحصة، وفجأة همست بدراما: "شفت عربية غريبة واقفة قدام بابكم بالليل، عربية مش من بتوع المنطقة، لونها غامق أوي".
فهمت إن الجارة دي مجرد سجل حي للمعلومات والنميمة. ابتسمت بلطف متصنع،
وهزيت كتفي ببرود عشان أقطع عليها سكة إنها تجرجرني في الكلام، بس معلومة العربية دي فضلت لازقة في دماغي.
المهمة كانت إني أجيب بيض من بقالة "أبو عوف" اللي في آخر الشارع.
بمجرد ما حطيت رجلي على الرصيف، حسيت إني دخلت مسرح حي. الكل بيراقب، الكل بيتكلم.
أنا ما بحبش البصات دي، ومش بديلها أي اهتمام، بمشي بخطوات ثابتة ومستقيمة، كإني في مهمة عسكرية وماعنديش وقت أضيعه في الجمهور.
"صباح الخير يا ملك هانم"، قال أبو عوف بصوته الجهوري وهو بيوزن البيض بدقة متناهية.
رديت ببرود، وأنا عارفة إن العلاقة دي تبادل سلع مش أكتر، وإن أي كلمة زيادة هي مدخل لتدخل أنا مش عايزاه في تفاصيلي الخاصة.







