سنة في القديسة مارثا - قصه للكبار

سنة في القديسة مارثا

بقلم,

للمراهقين

مجانا

بنت متمردة ومشاكلها كتير، أهاليها (أبوينها الاتنين) زهقوا منها وقرروا يبعتوها مدرسة داخلية في إنجلترا غصب عنها عشان تتعدل. بتوصل هناك وهي كارهة المكان، وبتحس بالوحدة وإن أهلها اتخلوا عنها. بتقابل زميلتها في الأوضة "ميجان" اللي شكلها لطيفة بس مصدومة من ماضيها. وبتقابل المُشرفة الأمريكية "آنسة بوين" اللي شكلها حلو بس شديدة، وبيبدأ بينهم تحدي من أول يوم.

إيفي

بتعمل مشاكل كتير (اترفدت قبل كده بسبب خناقات وبيع مخدرات). بتحس إنها اتسابت واتخذلت، وبتحاول تبين إنها قوية ومبتعيطش، بس هي مرتبطة جدًا بأبوها "تومي" وأخوها "أوين".

آنسة بوين

مُشرفة السكن ومُدرسة التاريخ والإنجليزي. أمريكية زي إيفي، جميلة جدًا وهادية، بس في نفس الوقت صارمة ومش بتسمح لإيفي تتجاوز حدودها (بترفض تقولها "إيفي" وبتصمم على "إيفلين" عشان تعلمها الاحترام).

ميجان

زميلة إيفي في الأوضة. بنت لطيفة وودودة، بس على نياتها شوية ومتربية كويس، واتصدمت لما عرفت ماضي إيفي.
سنة في القديسة مارثا - قصه للكبار
صورة الكاتب

أنا زودتها أوي المرة دي. الحدود اتكسرت، والمرة دي، يمكن، باظت لدرجة مينفعش تتصلح.

أبويا كان باين عليه التعب وهو بيدعك صدغه الأسمر، عينيه مقفولة، وكتافه واقعة. إيده اليمين كانت ماسكة الجواب، مكرمشاه ومطبقاه في قبضته اللي عمالة تضيق أكتر. رفع وشه للحظة لما أبويا التاني دخل الأوضة، وراح واقع على الكنبة جنبه وهو بيهز راسه. هو كمان، كان باين عليه مهزوم. بلعت ريقي، وحسيت بتوتر غريب وخيبة أمل من نفسي. هما طول عمرهم بيحاولوا على قد ما يقدروا يدوني أحسن عيشة ممكنة. كانوا عايزين أكتر من أي حاجة إن أنا وأخويا نكون مبسوطين. بس زي ما قلت، أنا زودتها أوي المرة دي؛ أنا خليتهم يبعدوا عني.

"إيفلين،" أبويا بدأ كلامه. يا نهار أبيض، إنه يستخدم اسمي الكامل دي عمرها ما كانت علامة كويسة. "أنتي بالعافية كملتي تلات شهور في المدرسة دي. الموضوع ده مبقاش نافع خلاص."

كشرت حواجبي. "أغلب الوقت أنا اللي كنت بستفز. يعني أنتوا بجد متوقعين مني أقعد ساكتة وأستحمل كل القرف اللي بيترمى في وشي ده؟"

"احترمي كلامك،" أبويا التاني، كريستوفر، اتنهد، وهو بيرفع راسه شوية عشان يبصلي لأول مرة الليلة دي. "يا إيفي، إحنا مش هنفضل نوديكي مدارس و يجيلنا كل يوم جوابات وتليفونات إنك بتتخانقي أو بتعملي مصايب. ده مش عدل علينا ومش عدل على المدرسة." قلبت عينيا. ولا كأن المدرسة هممها. "دي آخر سنة ليكي في المدرسة، أنتي محتاجة تركزي بجد دلوقتي. واحد صاحبي في الشغل كان عنده مشاكل مع بنته من كام سنة فاتوا. كانت في نفس سنك وقتها، وبتتصرف بالظبط بنفس الطريقة. هو ومراته لقوا مدرسة شكلها كده بتساعد العيال اللي زيك. دي مدرسة داخلية، في ديفون."

"ديفون؟" سألت. "فين دي كمان إن شاء الله؟" أياً كان مكانها فين، أكيد مكان زي الزفت وممل.

كريستوفر عض على طرف شفته اللي تحت، وشوية قلق بدأوا يظهروا على ملامحه. "دي في الريف، في إنجلترا." هو قال آخر كلمتين بصوت أوطى شوية من الباقي، كأنه كان بيتمنى إنهم يعدوا من وداني من غير ما أسمعهم، وهما تقريبًا عملوا كده.

وشي وقع للحظة بس قبل ما أستجمع نفسي ورجعت بضهري على الكرسي، ورجلي على رجل. "طبعًا، طب كويس أراهن إنك هتتبسط أوي هناك يا بابا. هبقى مستنية منك كارت بوستال،" ابتسمت، وصوتي كان بارد وساخر، رغم إن قلبي كان بيدق جامد تحت ضلوعي.

تنهيدة تانية، المرة دي من تومي. "يا إيفي، إحنا اتكلمنا مع المدرسة وهما أكتر من مبسوطين إنهم ياخدوكي. هتبدئي الفصل الدراسي في سبتمبر وهتقعدي هناك طول السنة. أنا آسف، بس الموضوع ده مفيش فيه نقاش."

جزيت على سناني، وفكي قفل. كنت حاسة بغضب مولع نار بيجري في عروقي كأن سد اتكسر فجأة وكل حاجة بتهرب بسرعة رهيبة. هما بيبعتوني بعيد. أهلي بيبعتوني بلد تانية لمدة سنة. هو أنا للدرجة دي وحشة؟ هو أنا بجد، بجد أستاهل ده؟ أنا اتخانقت، وشربت سجاير، وعملت مشاكل وسببت لأهلي صداع دايم، بس هو عادي إن الواحد يتخلى عن عياله؟ أنا اتسابلي مرة قبل كده، ودلوقتي بيحصل تاني.

"مش هتقدروا تجبروني،" عرفت أرد من بين سناني، وإيديا مقفولة في حجري. كنت حاسة ضوافري بتغرز في جلدي، بس مكنش فارق معايا. "هتعملوا إيه يعني، هتجروني لإنجلترا من قفايا؟ أنا مش عيلة صغيرة."

"أنتي ممكن تخلي الموضوع سهل علينا وعليكي، أو ممكن تخليه صعب جدًا. في كل الأحوال، أنتي رايحة. إحنا هناخدك قبل ما الدراسة تبدأ بأسبوع في آخر أغسطس، بس عشان تاخدي على المكان."

هزيت راسي، وعينيا كانت بتلف في الأرض، بحاول أحبس الدموع اللي بتحرق عيني ومخلية الرؤية مشوشة. أنا مبعرفش أعيط قدام أي حد. ده بيخليني ضعيفة، وأنا عمري ما هعمل كده. أهلي كانوا دايمًا بيحاولوا يقنعوني إن العياط عادي، بس حتى وأنا موجوعة أكتر حاجة، عمري ما خليت دمعة واحدة مالحة تنزل من عيني. مقدرش أوطي نفسي للدرجة دي.

"إيفي،" صوت واطي جه من عند الباب. مَرفعتش راسي، عشان خايفة دموعي تبان، بس أنا كنت عارفة الصوت الخجول ده بتاع مين. أخويا الصغير أوين دخل شوية كمان جوه الأوضة وأنا سامعة خطواته بتقرب. "أرجوكي اعملي كده. أنا مش عايزك تبقي شقية تاني. أنا بزعل أوي لما بتقعي في مشاكل." كنت سامعة الرعشة في صوته، وده كان هيموتني من الحزن.

دقيقة عدت في سكوت، وكان سكوت يصم الودان.

هو إني أوجع عيلتي كان أسهل من إني أسافر بعيد عشان أبدأ حياة مختلفة لمدة سنة؟ لأ، مكنش أسهل خالص. مفيش حاجة تتقارن بالألم الوحيد بتاع إنك تبقى عارف قد إيه خيبت أمل الناس اللي بتحبهم. مفيش حاجة خالص.

"ماشي،" قلت في الآخر، وصوتي مبحوح ومخنوق. "أنا هروح. هجرب، هجرب بجد. بس لو كرهت المكان بعد أول فصل دراسي، ممكن أرجع البيت؟"

شفت الراحة وهي بتغمر عيون أهلي. أبويا خد نفس ببطء قبل ما يهز راسه. "ماشي يا بنتي. بس أرجوكي، اوعدينا إنك هتدي الموضوع ده فرصة بجد."

عضيت على شفتي، وبصيت في الأرض قبل ما أرفع راسي وأقابل نظرتهم. "أوعدكم."

وده كان الوعد اللي غيّر حياتي.





"ريحة المكان زي الزفت."

كنت حاسة بأبويا بيقلب عينيه جنبي وإحنا قاعدين ورا في عربية الأجرة، ومعديين في الريف الإنجليزي تحت شمس أغسطس. بصراحة، أنا كنت مستغربة إن السما مكنتش بتمطر جامد أول ما وصلنا، لإنه شكل إنجلترا دي مشهورة بجوها الوحش، بس زي ما السواق بلغني بسرعة، "الجو الحلو ده مش هيطول يا حبيبتي، أنتي بس استني وشوفي."

على يميني، أبويا لف عشان يبصلي. هو جه معايا إنجلترا، في حين إن أبويا التاني، كريستوفر، فضل هناك عشان ياخد باله من أوين. هما مكنوش شايفين إنها فكرة كويسة إنه ييجي معانا؛ أوين عيل لزقة أوي، ودايمًا كنت بلاقيه متعلق في رجلي زي الجرو. الموضوع كان صعب عليه، إنه يضطر يقول سلام، وبصراحة، كان صعب عليا أنا كمان، مع إن ده مكنش حاجة أنا مبسوطة إني أعترف بيها.

"دي أكيد ريحة البقر،" أبويا قال وهو بيقلب عينيه مرة تانية. "اسمعي، إحنا قربنا نوصل، بس أنا بس كنت عايزك تعرفي قد إيه أنا وأبوكي فخورين بيكي إنك كملتي في الموضوع ده. أنا عارف إن ده هيبقى صعب عليكي، خصوصًا أول كام أسبوع. بس افتكري دايمًا إن إحنا على بُعد مكالمة تليفون، ماشي يا بنتي؟"

ابتسمت نص ابتسامة وهو بيبعتر شعري وباسني من قورتي. ابتسامتي اختفت لما رجعت بصيت للشباك تاني، والقلق بيزيد جوايا. أنا كنت مصممة إني مبينش إني متضايقة أوي؛ كنت عارفة إن ده هيزعله بس. أنا وتومي كنا دايمًا قريبين من بعض؛ أنا بحب أبويا التاني طبعًا، بس هو كان دايمًا مشغول يا إما بالشغل يا إما بأوين. تومي كان موجود عشاني في أي وقت كنت بحتاجه، وأنا عارفة قد إيه كان موجوع إنه مضطر يبعتني بعيد. هو كان أحسن صاحب ليا، ومن غيره، مكنش عندي أي حد تاني.

فقت من سرحاني لما لفينا من على زاوية ووقفنا قدام مبنى ضخم، شكله قديم أوي. أنا كرهته خلاص. بره كان فيه كام مجموعة بنات واقفين، لابسين قمصان بيضا مدخلينها في جيبات كاروهات أبيض في أسود طولها لحد الركبة. بقي اتفتح من القرف وأنا ببص على الزي الموحد. السواق فتحلي الباب قبل ما يلف يروح شنطة العربية عشان يجيب شنطي، اللي حطها جنب العربية. لفيت لأبويا، اللي كان بيبصلي بلمعة توسل في عينيه.

"متحكميش عليه من دلوقتي يا إيفي. مين عارف، يمكن تحبي المكان هنا أوي يا بنتي." هو فتح بابه ونزل، ولف من ورا العربية لحد ما جه جنبي. مد إيده وأنا مسكتها غصب عني، وأنا بحط رجلي على الممر اللي كله زلط.

واحدة ست طويلة، شكلها في نص الخمسينات، قربت مننا وهي مبتسمة. كان شعرها غامق، ماعدا الخصل الفضية اللي ضاربة فيه، ومدت إيدها لأبويا، وهي بتسلم عليه. "أكيد حضرتك مستر لويس."

أبويا هز راسه. "أرجوكي، قولليلي تومي. شكرًا جدًا إنك اديتي لبنتنا الفرصة دي. إحنا بجد متشكرين."

"أكيد،" ردت بابتسامة تانية، وعينيها جت عليا. مدت إيدها ليا المرة دي، وقالت، "إيفلين، يا لها من سعادة. أنا مدام فينشلي." سلمت عليها، بس مردتش الابتسامة، وبدلًا من ده اتجنبت أبص في عينيها وقعدت أبص حواليا في أرض المدرسة. "أنا هسيبك تقولي سلام لأبوكي. سعدت بلقائك يا مستر لويس." ومع الكلمة دي، لفت ومشت بعيد بالراحة.

بصيت لأبويا، وأنا برمش وبعضعض في خدي من جوه عشان أمنع نفسي من العياط. هو فتح بقه عشان يتكلم، بس أنا رميت دراعاتي حوالين رقبته، وحضنته جامد. شميت ريحته المألوفة لآخر مرة وغمضت عيني جامد للحظة، قبل ما أبعد.

"أشوفك قريب يا بنتي،" هز راسه، ودمعة في عينه وهو بيبوسني من خدي ولف، وركب في الكنبة اللي ورا في العربية.

"سلام يا بابا،" همست وهو بيقفل الباب والسواق بيدور الموتور. اتفرجت على العربية وهي بتلف وترجع تاني في الطريق الريفي الملتوي لحد ما اختفوا عن عيني. حسيت فجأة بإحساس عميق بالوحدة مسيطر عليا وأنا واقفة وكل حاجتي في شنط على الأرض قدام عينيا.

"إيفلين؟"

رفعت وشي، وشفت مدام فينشلي واقفة قدامي مرة تانية.

"أنا مش هعمل نفسي إن الموضوع ده مش هيكون صعب، بس أنتي هتتعودي على الدنيا هنا،" هي حاولت تطمني، بس أنا حسيت بالعكس تمامًا. "تعالي ورايا، هوريكي أوضة سكنك وهناك هتقابلي قائدة السكن بتاعتك. هي هتعملك جولة في باقي المدرسة. سيبي شنطك، حد هيطلع يجيبهم لأوضتك كمان لحظة." هي بدأت تمشي وأنا مشيت وراها جنبها.

"قائدة سكن؟" سألت.

مدام فينشلي هزت راسها بابتسامة. "كل جناح فيه حوالي عشر غرف سكن. كل جناح متعين عليه مدرسة واحدة، وعندها أوضة هناك. هما هيبقوا موجودين عشان يجاوبوا على أي أسئلة، يحلوا أي مشاكل، ويتأكدوا إن الكل ماشي على القواعد. لو أنتي مش متأكدة من حاجة أو عندك مشكلة، قائدة السكن بتاعتك هي أول حد تروحيله." هي طلعت ورقة من سترتها الكحلي، فردتها و بصت في الكلام بسرعة. "أه أيوة، أنتي في جناح نايتنجيل. ده مش بعيد أوي، تعالي ورايا يا آنسة لويس."

"نايتنجيل؟"

"ده اسم الجناح بتاعك. كل جناح متسمي على اسم ست مهمة في التاريخ. في حالتك، الجناح بتاعك متسمي على اسم فلورنس نايتنجيل. أفترض إنك سمعتي عنها؟"

هزيت راسي.

"كويس. بصي يا آنسة لويس، هنا في مدرسة القديسة مارثا للبنات، إحنا بنقبل بنات من كل الخلفيات. بس، إحنا عندنا هدف واحد ليهم كلهم: إننا نضمن إنهم يسيبوا المدرسة دي وهما شابات متزنات، ومحترمات وعندهم فرصة في مستقبل مشرق. فاهمة؟" مرة تانية، هزيت راسي. "إحنا عندنا قواعد هنا يا إيفلين. ممكن تاخد شوية وقت، بس أنتي هتتعلمي تلتزمي بيها."

"شكله سجن ده،" تمتمت، وأنا بتنهد بصوت عالي.

إحنا كنا جوه المبنى دلوقتي، طالعين على سلم ماهوجني ملفوف. في الآخر، وصلنا لباب، اتفتح على طرقة طويلة، فيها حداشر باب متوزعين على الجناب. هي خدتني لتالت باب على إيدنا الشمال، وفتحته بمفتاح وبعدين حطته في إيدي.

"خلي ده معاكي. لو ضيعتي مفتاحك، هتضطري تدفعي 5 جنيهات عشان واحد بداله."

قلبت عينيا. "لا سمح الله."

جوه الأوضة كان فيه سريرين، واحد على كل جنب في الأوضة. السرير اللي على اليمين كان باين عليه متاخد خلاص، وعليه مجموعة مخدات ألوانها فاقعة متوزعة عند راس السرير. كان فيه دولابين، برضه على كل جنب في الأوضة، ووحدة أدراج على شمال الباب. مراية بطول الجسم كانت متعلقة على الحيطة جنب الشباك، وسجادة بيضا صغيرة مفروشة على الأرضيات الخشب.

"شكله كده سريرك هو اللي على الشمال. خدي راحتك، وأنا هبلغ قائدة السكن بتاعتك إنك وصلتي. هيبعتولك جدولك قريب. الحصص هتبدأ الأسبوع الجاي." هي لفت ومشت ناحية الباب، قبل ما تقف لحظة وتلف تاني. "أهلًا بيكي في القديسة مارثا يا آنسة لويس."

استنيت لحد ما الباب قفل و عمل صوت تكة عشان أروح ناحية السرير الشمال، وقعدت عليه ورفعت ركبي على صدري. سندت راسي على الحيطة، وغمضت عيني وخدت نفس عميق.

"اجمدي بقى يا إيفي،" همست لنفسي، وأنا بعض شفتي وبترجى نفسي متعيطش. "بطلي هبل بقى."

خمس دقايق أو حاجة عدوا قبل ما حد يخبط على الباب تلات مرات. رمشت بسرعة، وأنا بتمنى عينيا متبانش إنها مدمعة، قبل ما أقول بصوت واطي "ادخل."





الباب اتفتح، وواحدة ست دخلت. كانت لابسة فستان أسود ضيق لحد ركبتها، وكعب عالي أسود. شعرها البني الكتير كان نازل على كتفها اليمين في موجات ناعمة. عينيها الغامقة جت في عينيا، ولقيت نفسي ببحلق فيها، مستغربة إزاي واحدة بالشكل ده ممكن تشتغل في مكان كئيب زي ده. جمالها كان مفيش عليه كلام.

شيلت عيني من عليها، وفوقّت نفسي من السرحان، ووجهت أفكاري لمسارات أأمن وأنا بحاول أصدق إني لسة كنت معجبة بواحدة غالبًا يعني مدرسة. هي راحت ناحية سريري، وابتسامة مرسومة على شفايفها الوردية اللي بتلمع. "أنتي إيفلين، صح؟" أنا اتفاجئت من لهجتها. أمريكية؟

"إيفي، في الحقيقة،" رديت ببرود.

هي مابانش عليها إنها اتفاجئت من نبرتي. "عمومًا، دي حاجة لطيفة إن فيه واحدة أمريكية زيي موجودة هنا. أنا آنسة بوين، قائدة السكن بتاعتك. أنا كمان هدرسلك تاريخ ولغة إنجليزية."

"تمام."

آنسة بوين فضلت تبصلي كأنها بتدرسني لكام لحظة، وعينيها بتلف على وشي. "عندك مانع لو قعدت؟" هي شاورت على المكان الفاضي جنبي على السرير.

هزيت كتفي. "لو مصممة يعني."

هي قعدت جنبي، وحطت رجلها الشمال على اليمين وعدلت جسمها عشان تبقى في وشي. راسها مالت شوية شمال، وابتسامتها اختفت. بدلًا من ده، نظرة تفهم وراحة زحفت ورا عينيها. "الموضوع صعب، مش كده؟"

"مش أوي."

للحظة، هي سكتت. "مش لازم تكدبي عليا يا إيفلين. أنا عارفة أكتر من أي حد الموضوع ده ممكن يكون صعب قد إيه."

"إيفي. اسمي إيفي."

تنهيدة طلعت من شفايفها. "يلا، خليني أفرجك على المكان."

غصب عني، مشيت وراها وهي بتفرجني على المدرسة، ورتني الملعب الكبير اللي بره، والفناء، وقاعة الأكل، والفصول اللي هستخدمها. أربعين دقيقة عدوا لما أخيرًا وصلنا أوضتي تاني، في الوقت ده كله أنا كنت تمتمت بإجمالي تلات كلمات للست دي، كلهم كانوا يا أه يا لأ.

"أوضتي أهي،" هي شاورت على الباب اللي في أول الطرقة، على بعد كام متر بس من أوضتي. "لو احتجتي أي حاجة، خبطي بس. العشا الساعة خمسة، يعني قدامك حوالي نص ساعة تظبطي دنيتك. شنطك المفروض تكون في أوضتك خلاص. ماشي يا إيفلين؟"

"هو أنتي عندك زهايمر؟ كام مرة كمان لازم أقولك إنه إيفي؟ اسمي إيفي،" زعقت بغضب. كان نفسي أهزها. أنا يادوب بقالي هنا خمس دقايق وحد قاصد يعصبني.

وش آنسة بوين كان هادي ومفيش عليه أي تعبيرات. اتنهدت تنهيدة صغيرة. "الواحد بيستخدم الاسم اللي الشخص بيفضله لما يكون فيه احترام متبادل بينكم. أنا مش شايفة أي حاجة من دي دلوقتي يا إيفلين." هي لفت ودخلت أوضتها، وسابتني واقفة في الطرقة، لوحدي ومتعصبة على الآخر.

وأنا راجعة أوضتي، لمحت بنت، غالبًا زميلتي في الأوضة، قاعدة على سريرها، وبتقلب في مجلة. هي رفعت وشها لما دخلت، وهي بتحط شعرها الأشقر المحمر اللي طوله لحد كتفها ورا ودنها.

"أهلًا،" هي رحبت بابتسامة، ورمت المجلة على جنب وقامت وقفت. "أنا ميجان. أفهم من كده إنك زميلة الأوضة الجديدة اللي عمالين يقولولي عليها؟"

هزيت راسي. "إيفي. وأه، شكلها أنا."

هي ابتسمت ابتسامة عريضة، وأنا كشرت ومكنتش فاهمة. "معلش، أصل غير آنسة بوين، إحنا مبيجلناش أمريكان هنا. لهجتك جامدة."

"شكرًا،" تمتمت، بأكبر ابتسامة قدرت أطلعها.

لما شفت شنطي جنب سريري، بدأت أفك حاجتي، وأعلق هدومي في الدولاب وأطبق باقي حاجتي في الأدراج.

"المهم، أنتي هنا ليه؟" سألت ميجان وهي بتفتح مجلة جديدة وبتبدأ تقرا في أول صفحة.

ميجان بصتلي. "هنا ليه إزاي؟"

"أيوة، قصدي عملتي حاجة وحشة؟"

هي ضحكت، كأني قولت نكتة. "لأ. أهلي شداد شوية، بس أنا عمري ما عصيتهم. دي مش مدرسة بتاعة العيال بتوع المشاكل بس، أنتي عارفة. ده مكان ليه اسم كبير أوي. هما متخصصين طبعًا في إنهم يخلوا العيال الزبالة يمشوا على الصراط المستقيم، بس إحنا مش بيجيلنا منهم كتير،" هزت كتفها، وهي بتلف على جنبها وبتضيق عينيها. "طب وأنتي عملتي إيه؟"

"أنا اترفدت من آخر مدرستين ليا."

عينين ميجان وسعت. "يا نهار أسود. ليه؟"

هزيت كتفي. "مخدرات، خناق، سجاير، قلة أدب عامة، كده يعني. كل الهري المعتاد ده."

ميجان اتعدلت في قعدتها، وتعبيرات وشها كانت هتخليني أضحك. "مخدرات؟ أنتي بتشربي مخدرات؟ يا إلهي، من وسط كل الناس أتحط في أوضة مع واحدة مدمنة."

"إيه، أنا مش مدمنة يا حاجة،" رديت وأنا بقلب عينيا. "لأ، أنا مش بشرب مخدرات. أنا بس كنت ببيعها شوية. فلوس سهلة، بصراحة. بس المدرسين معجبهمش الموضوع أوي؛ اترفدت في ساعتها."

"يا إلهي،" قالت وهي متنحة، مع إني مكنتش شايفة إن الموضوع كبير أوي. "المهم، أحسنلنا نمشي. العشا كمان خمس دقايق. ممكن تقعدي معايا لو حبيتي."

هزيت كتفي. "ماشي." كان إحساس غريب إن حد يعرض عليا أقضي وقت معاه. الناس دايمًا كانوا بيعوزوني بس لما يكونوا محتاجين حاجة. كان إحساس صعب إن الواحد يبقى مستغل.

العشا كان عادي جدًا. أنا قعدت جنب ميجان وبنت تانية من جناح نايتنجيل اسمها كلاريس، كانت باين عليها لطيفة، بس يمكن رغاية شوية. الساعة ستة، كان مسموحلنا نرجع أوضنا، أو، بما إن الدراسة لسة مبدأتش، نروح نقعد مع الناس في الأوضة المشتركة. مع إن ميجان كانت رايحة هناك مع كلاريس، وعزمت عليا أروح معاهم، أنا رفضت، وقلتلها إني لسة عندي حاجات مفكتهاش. مكنش عندي، بس أنا كنت هموت على شوية هدوء وسلام.

وأنا داخلة الجناح بتاعنا، لمحت آنسة بوين جاية في نفس الاتجاه من طرقة تانية. اتقابلنا عند الباب في نفس اللحظة، وهي فتحتلي الباب عشان أعدي.

"شكرًا،" هزيت راسي.

"العفو،" آنسة بوين ردت. "إيه رأيك في العشا؟"

مكنتش فاهمة هي ليه أصلًا مهتمة، فهزيت كتفي. "كان كويس." لفيت بعيد، ومسكت أوكرة باب أوضتي.

"الدنيا هتبقى أسهل،" قالت من ورايا.

وقفت لكام لحظة. ولما لفيت، بابها قفل وعمل تكة. آنسة بوين كانت مشيت. رحت على الركن في الأوضة المعتمة اللي نورها مطفي، ومتعبتش نفسي أنور أي نور، وقعدت وضهري لازق في الحيطة السقعانة. تيار هوا خفيف من الشباك خلى جلدي يقشعر، وأنا اترعشت. حالة جبارة من الإحساس بالهجران بلعتني كلها؛ أنا كنت لوحدي مرة تانية.

تعليقات