رواية الأميرة إيف | تتزوج من أجل العرش

الأميرة إيف

بقلم,

تاريخيه

مجانا

بتحاول تتأقلم مع فساتين الموضة وهي أصلاً بتحب الجزمة العريضة والتدريب والمغامرات. حياة العيلة المالكة بتتقلب لما بتكتشف إنهم مفلسين بسبب ديون أبوها. عشان ينقذوا المملكة، لازم إيف أو أخوها جوزيف يتجوزوا واحد من ولاد الملك ثيو، وهو ملك جشع وطماع. بتوافق إيف تروح بس جوزيف بيفاجئها وبيضحّي بنفسه وبياخد مكانها عشان ينقذ أخته وصاحبه جاريد، اللي بيحب إيف في صمت ومستعد يعمل أي حاجة عشانها.

إيف

بتكره القيود والفساتين. شخصيتها قوية وبتتصرف زي الولاد أكتر، وبتفضل الجزمة (البوت) عن الكعب العالي. قلبها طيب ومستعدة تضحي عشان مملكتها وأخوها.

جوزيف

أخو إيف الكبير، وسيم وكان بيستعد للمُلك. بيحب أخته جداً وواضح إنه بيضحي بأحلامه ومستقبله عشان ينقذها من الزواج القسري.

جاريد

الصديق المقرب لـ جوزيف واللي بيحب إيف في سرّه. دايماً موجود جنبها، وبيظهر ولاء غير طبيعي ليها وبينقذها دايماً من المشاكل (زي الوقوع من الشجرة).
رواية الأميرة إيف | تتزوج من أجل العرش
صورة الكاتب

بقيت أناضل عشان أحافظ على توازني تحت تقل التنورة. فكرت يمكن ليلى خيطت طوب جوّا القماش عشان تعمل فيا مقلب وتشوف هفضل صامدة لحد إمتى.

ليلى نغزتني بدبوس شعر في ضهري بزهق.

"لو بس توقفي ظهرك مفرود كان زمانا خلصنا دلوقتي." قالتها بغيظ وهي بتبدي تضايقها.

دمدمت بـ "آسفة" فكان جزائي نغزة كمان بدبوس الشعر. أخيراً اتحط آخر دبوس.

"إنتي ينفع تاخدي منصب محترم تحت في السجون." قلت لها. "أنا سمعت إنهم بيدوروا على محققين. خدي معاكي دبوس شعر وهما هيدوكي كل المعلومات اللي محتاجينها."

"يا حلاوة!" قالتها وهي بتتنطط. "إنتي قمورة أوي وإنتي متعصبة!"

كشرت في وشها واديتها ضهري عشان أشوف شكلي. الفستان كان مش مريح. الأكمام القصيرة والياقة المربعة مبينين جلد كتير زيادة عن اللزوم بالنسبة لذوقي. لو كان الأمر يرجع لليلى، كانت هتخليني ألبس فستان يخلي ده شكله زي عباية راهبة. على الرغم من إنه مش مريح، أنا مبسوطة إنها سابتني أعمل اللي في دماغي.

مشيت ناحية الباب، فسمعت صرخة عالية. "إيه اللي إنتي بتعمليه ده؟!"

"أنا رايحة الحفلة." رديت وأنا بزق تنورتي بالعافية ناحية المخرج. عينيها الواسعة كانت مُركزة على رجلي. لعنت نفسي بصمت. ليلى لمحت الجزمة (البوت) بتاعي.

"مش هينفع تلبسي الحاجات البشعة دي في حفلة رقص!"

"أمال ألبس إيه طيب؟" سألت.

رفعت إيدها عشان توريلي كعب عالي خلاني أجز على سناني. "يا ليلى أنا بالعافية بعرف أمشي أصلاً. لو لبست دول، هتبقى كارثة."

"لو حد شاف الجزمة المقرفة دي! تخيلي الإحراج."

"على الأقل مش هيبقى محرج زي ما الجزمة دي هتخليني أقع."

ليلى وشها احمر جداً وهربت أنا من الأوضة. كنت على وشك إني أقع في ديل الفستان وأنا خارجة بس بطريقة ما لحقت نفسي وسندت على الحيطة. موسيقى من تحت طفت ليّ، بس ما عملتش حاجة تريح أعصابي.

"إنتي شكلك زي البنت!" صوت تخين نده عليّ وشفت أخويا الكبير جوزيف وهو بيبتسم بوقاحة. شكله كان وسيم وهو عنده عشرين سنة. شعره الدهبي كان متسرح لورا ومتثبت بـ رباط جلد. قميصه فيه كشكشة وظاهر تحت الجاكيت الأحمر الغامق. بنطلون أسود لازق على رجليه ومختفي جوّا جزمة سودة (بوت).

"وإنت كمان." رديت وأنا بشد شعره الطويل. فكان مكافأتي تكشيرة.

"يلا بينا؟" سأل وعرض عليّ إيده. زحلقت إيدي اللي لابسة الجوانتي على دراعه الممدود.

مع أول خطوة لقدام، سمعنا صوت تمزيق قماش فظيع. فقدت توازني ومسكت في دراعه بجنون عشان ما أقعش أكتر. كنا منظرنا غريب جداً. جوزيف متني نصين من الضحك وأنا ماسكة في دراعه قبضة الموت. مسح دموع من عينيه وبيحاول يبلع ضحكته، شدني جوزيف وخلاني أقف مستقيمة. بصينا سوا على القماش اللي كان مدلدل من فستاني. وشي احمر جداً وضحكته بدأت تاني. بـ دقة سريعة، رفع تنورتي كام سنتي وبعدين مسك القماش المتقطع. وبعدين بشدة، شاله خالص. حسيت إن وزني بقى أخف وهو رافع حِتة كبيرة من جيبونة فستاني (الطبقة التحتانية).

سمعنا صوت خطوات بتقرب وجوزيف بص حواليه. لمّح مقبض باب، فتحه ورمى الجيبونة جوّاه. مسكت إيده الممدودة ومشينا في الطرقة، كل واحد فينا بيحاول يتحكم في ضحكته.

"كنتوا فين يا ولاد؟!" كانت ماما. مشيت ناحيتنا وباين على وشها الارتياح. مسكت إيدي وبصت عليّ. "شكلك زي القمر يا حبيبتي." قالتها بدلع.

"شكراً يا ماما." رديت.

"أنا إيه؟ مش شكلي حلو أنا كمان؟" سأل جوزيف وهو بيلف حوالين نفسه وبينفخ صدره. ماما خبطته على كتفه وبعدين مسكت دراعه التاني الممدود. مشينا مع بعض ناحية قاعة الرقص.

حفلة الليلة كانت على شرف جوزيف عشان عيد ميلاده. وإحنا ماشيين في القاعة، كذا بنت شابة هوت على نفسها و نفشت شعرها. حاولت ما أقلبش عيني وإحنا ماشيين. عيون الضيوف كانت علينا وده خلاني متوترة. بصيت قدامي ومارشت ناحية الكرسي بتاعي. لما احنا التلاتة قعدنا، الرقصة بدأت.

"إيه رأيك تقومي ترقصي؟" سألتني ماما بعد ما قعدنا حوالي عشرين دقيقة. حاولت ما أقلبش عيني عليها. هي عارفة إحساسي. "يا إيف روحي قابلي بنات تانيين." توسلت ليا وهي بتشاور على مجموعة من التنانير الكبيرة والمُلونة. اتنهدت باستسلام وقمت من الكرسي بـ تصلّب. ماما شورت على شفايفها المقلوبة لفوق عشان تطلب مني أبتسم وبعدين رجعت تبص على الرقص.

مشيت ناحية مجموعة البنات. ضحكاتهم المزعجة كانت بتوصل فوق أصوات الناس. لما شافوني بقرب، سكتوا على طول. كل واحدة عملت إنحناءة خفيفة وبعدين وقفوا بإحراج في الصمت. واحدة منهم اتشجعت تتكلم بس أول ما فتحت بقها، عينيها وسعت جداً وهي بتبص على يميني. حسيت بإيد على كتفي ولفيت وشفت جاريد، صديق جوزيف المُقرب. عمل انحناءة واطية ولما وقف كان على وشه ابتسامة مَكّارة. البنات اللي ورايا خطوا خطوة لقدام محاولين يقربوا منه. لكنه تجاهلهم وعرض دراعه. مسكته ولف ومشي.

"شكراً." همست له وهو بيبعدني عن البنات. كنت حاسة بعينيهم بتخرم ضهري وإحنا ماشيين. جاريد طلعني برة عشان عارف إني ماليش أي نفس في الرقص.

"إنتي شكلك زي البنت." قال وهو بيتنفس الصعداء لما بقينا برة بأمان. خبطت على دراعه جامد. ضحك وهو بيدعك كتفه.

"شكراً إنك طلعتني من هناك." قلت وأنا بدأت أمشي بعيد عنه.

"إنتي عليكِ دين ليا." قال وهو باصص للسما. جاريد كان زي أخويا الكبير. أنا أعرفه طول عمري. عنده تسعتاشر سنة، أكبر مني بتلات سنين.

"هسدّد الدين." رديت وأنا ماشية ناحية السلالم اللي بتنزل من البلكونة لتحت. كنت عايزة أرجع أوضتي.

لو دخلت من سكن الخدم ممكن أرجع أوضتي من غير ما حد ياخد باله. أو ممكن أتسلّق شجرة في الجنينة اللي بتنمو جنب شباكي. استقريت على الشجرة ومارشت عبر الجنينة. بصعوبة شوية، طلعت نفسي على الفروع. الوزن الزيادة بتاع الفستان ما ساعدش. وأنا ماشية على فرع هيوصلني مباشرة لبلكونتي، سمعت صوت فرقعة خشب ما يتلخبطش.




كان فات أربع سنين على حادثة التسلق بتاعة الشجرة ولسه ما اتنسيتش. كل شوية جاريد بيجيب سيرتها عشان يضحك عليا ضحكة حلوة. بيسألني لو كنت طلعت أي شجر حلو مؤخراً وبعدين بيقلد صرختي اللي اتفاجئت بيها وأنا واقعة. مفيش حاجة أقدر أعملها غير إني أقبل الإهانة دي.

جاريد كان هو اللي شالني بين دراعاته وبعدين طلع بيا بسرعة على أوضتي من سكن الخدم. قعد معايا لحد ما الدكتور وصل. وبعدين لما اتحبست في السرير لمدة أسبوعين، جاريد كان بيزورني كل يوم. لما الدكتور قال أخيراً إني ممكن أمشي تاني، مشيت وجوزيف و جاريد كل واحد على ناحية عشان يلحقوني لو اتكعبلت. جاريد كان دايماً موجود، سواء كنت عايزاه أو لأ.

"إيف؟" سألت ليلى وهي بتخبط على بابي. "مامتك عايزة تتكلم معاكي."

قمت من على كنبة الشباك وحطيت كتابي في مكانه على الرف. شكرتها وأنا ماشية. ياااه، الدنيا اتغيرت إزاي! الحيطان اللي كانت مُزينة دلوقتي فاضية. الأرض اللي تحت اللي كانت متغطية بالمحاصيل دلوقتي لونها بني و ناشفة. الممرات كانت سقعة ومطربة (فيها تيارات هواء). الممرات اللي كانت مليانة بصوت ضحكات الخادمات دلوقتي ساكتة. حتى الجزمة (البوت) بتاعتي على الأرض ما بتطلعش صوت.

اتنهدت عند باب قاعة العرش وبعدين زقيته وفتحته. جوّا الأوضة كانت سقعة جداً، وصوت زئير النار القديم كان منسي بقاله كتير.

ماما كانت قاعدة على العرش ولابسة فستان قديم مدلدل على جسمها الرفيع. اتفاجئت لما شفت جوزيف داخل الأوضة ورايا. ماما ابتسمت لما شافتنا واقفين جنب بعض. ابتسامتها اتقطعت أول ما بدأت تكح. الخادمة بتاعتها جريت لقدام بمنديل. ماما شكرتها وبعدين وجهت كلامها لينا.

"يا ولادي،" بدأت وهي بتبصلنا إحنا الاتنين. "إنتوا الاتنين عارفين وضعنا المادي."

حركت وزني على رجلي. إحنا مفلسين. قبل ما بابا يموت، الملك، كان عنده مشكلة قمار كبيرة شوية. مع نظام صرفه، إحنا مدفونين في ديون قديمة جداً. المملكة بتموت. الناس بتموت. مفيش أي أكل يكفي عشان نأكل عائلات شعبنا.

"إحنا مفلسين." قالت بابتسامة حزينة. "في حل ممكن اتعرض علينا."

جوزيف خد خطوة للأمام بأمل.

"إيه هو؟"

"زواج." قالتها وهي بتبصلي. ارتعشت.

"ماما." بدأ يتكلم وهو بيتحرك عشان يقف جنبي.

"لأ، سيبني أخلص." قالت بلطف وهي رافعة إيدها. "الملك ثيو عرض عرض. عنده ولدين، ولد وبنت. هو عايز واحد بس منكم."

جوزيف بصلي باستغراب بيعكس استغرابي أنا.

"ليه هو عايز ينقذنا؟" سألت وأنا فاكرة إن بابا كان دايماً بيقول إن ثيو ملك أناني.

ماما خدت نفس قبل ما تكمل. "وافق إنه ينقذ مملكتنا. هيمدّنا بالفلوس اللي تغطي ديوننا ونبدأ محاصيل جديدة. لكن هو هيبقى ملكنا. هنضم المملكتين لبعض وهو اللي هيحكمهم هما الاتنين."

جوزيف سحب نفس جامد. هو اتولد عشان يبقى ملك. مش عشان يحكمه راجل تاني بيدور على فرصة عشان يوسّع أراضيه.

"ماما." قلت بس هي رفعت إيدها تاني.

"أنا مش عايزة أعمل ده. صدقوني، مش عايزة." قالت وهي بتحدق في جوزيف. "أنا شايفة إن دي الطريقة الوحيدة اللي نقدر ننقذ بيها مملكتنا. دي الطريقة الوحيدة عشان نعيش. أنا مش عايزة ده يحصل لأي حد فيكم." دعكت صدغيها (جنب عينيها). جوزيف وأنا كنا ساكتين وباصين لبعض. ماما عندها حق، ده حل لمشاكلنا.

"أنا اللي هعملها." قال جوزيف.

"لأ." قلت له. هو مش لازم يعمل كده. أنا اللي المفروض أعملها. "أنا اللي هتجوز." ماما ابتسمت لينا. على قد ما كنت عايزة أنكر، أنا اللي المفروض أستخدَم لمصلحة المملكة. يمكن نقدر نشتري حريتنا من ثيو وبطريقة ما جوزيف يقدر يرجع ملك زي ما يستاهل. "أمشى إمتى؟" سألت.

"بكرة." قالت بنظرة حزينة.




مشيت بسرعة برة ناحية ساحات التدريب. اللي كان زمان عشب أخضر فخم دلوقتي بقى حشائش بنية شائكة. كنت بمشي بغِل. كان بالي مشغول جداً بأفكاري لدرجة إني ما سمعتش جاريد وهو بيقرب.

"إيف." قالها وهو بيمسك كتفي بس نفضت إيده. "إيه؟" قال وهو بيحاول يكلمني. أنا ما كنتش عايزة أتكلم، أنا كنت عايزة أخبط في أي حاجة. أقرب حاجة دلوقتي كانت جاريد. لما مد إيده عشان يمسك دراعي تاني، هجمت عليه.

هو تفادى بسهولة وبدأت المعركة. كنا فريق متكافئ. رغم إنه أطول مني ووزنه أكتر مني بخمسين رطل على الأقل، أنا كنت بعرف أتعامل معاه. جزء من السبب إني غضبانة. وجزء تاني إنه كان بيخفف عليا رغم إنه عمره ما هيعترف بكده.

تَفَادى شمال وأنا بهجم عليه. مع كل لكمة بأرميها وهو بيتفاداها، كنت بتعصب أكتر. ضربت ضربة حظ في بطنه اللي بالعافية طلعت صوت "أوف" وهو بيطلع نفسه. بدأ يتفادى ويهجم عليّ بضربات كنت أقدر أصدها بسهولة.

بخطوة خفيفة، رجّعني لورا وضرب ركبتي بعيد. فقدت توازني ولحقت نفسي بـ كف إيديّ في فرشة شوك. ما حسيتش بالألم أصلاً وإيدي بتخترق الجلد.

مديت رجلي وضربت رجله، وقع تحت مني جنب فرشة الشوك بالظبط. اتدحرجت عشان أقعد على صدره وأثبته، بس وزنه كان أكبر مني. هز نفسه ناحية و رماني من عليه. وقعت على ضهري وهو كان فوقي. جسمه كان معلق فوقي بإنش واحد وإيده كانت مثبته رسغي فوق راسي. دموع سخنة كانت بتنزل بصمت على خدي ورفضت أبص له. مسك إيديّ الاتنين فوق راسي بواحدة من إيديه وبعدين مد إيده عشان يشد راسي ويجبرني أبص له. غمضت عيني وإيده فضلت على دقني.

"إيف." همس وبكيت. شهقة عالية هزتني وهو ساب رسغي. ما عرفتش إيه اللي فاجأه أكتر: محاولتي إني أتخانق معاه ولا إني عيطت فجأة. جاريد شافني بعيط كام مرة بس من ساعة ما عرفني. قعد وأنا سندت على صدره بعيط زي طفلة. جاريد مسك إيديّ وشال الشوك من كفوفي. دراعاته القوية لفت حواليا وكتفي بيتهز من النحيب.

لما عيطت لحد ما حسيت بإرهاق شديد، بصيت له وجبرت نفسي أكون شجاعة. قميصه كان غرقان مكان ما دموعي نزلت بس هو ما اهتمش. استنى بصبر لحد ما أتكلم.

"أنا ماشية بكرة." همست بصوت متقطع.

"رايحة فين؟" سأل.

"هتجوز." وبعدين قمت ورجعت للقلعة. لما وصلت المدخل، لفيت عشان أشوف جاريد قاعد بالظبط في المكان اللي سبته فيه، في أرض ميتة زي أحلامي بالظبط.





ما كنتش عايزة أقوم من السرير الصبح ده.

"يلا يا إيف. جه الوقت عشان تجهّزي نفسك." حثّتني ليلى بصبر. فتحت عيني اللي ملزّقة بالعافية واتدحرجت على جنبي وأنا مغطية نفسي باللحاف لحد دقني. ما كنتش عايزة أقوم. كنت عارفة إيه اللي مستنيني النهارده. في الآخر، سحبت البطانية بالراحة وقعدت على السرير مكرمشة. عيني كانت ناشفة وحاسة إن فيها تراب. المخدة كانت غرقانة من الدموع وكنت مرهقة من ليلة ما نمتش فيها. يا ترى إيه الانطباع اللي هعمله على الملك ثيو وأنا بالمنظر ده.

لأول مرة، ليلى ما صرختش في وشي عشان أقوم. بالعكس، بصت لي بعينين مليانة حاجة عمري ما تخيلت إني أشوفها في نظرتها ليا: شفقة.

رشّيت شوية مية ساقعة على وشي عشان أفوق. بس أنا عُمرى ما هفوق من الكابوس ده.

ليلى ساعدتني ألبس الفستان ولأول مرة ما اعترضتش. بدأت تسرح شعري لما سمعت البوابات بتتفتح. من شباكي كان عندي رؤية واضحة لمدخل القلعة. اللي شفته خلى دمي يتجمّد. عربية بتتحرك. دي عربية جوزيف.

جوزيف كان ماشي.

لفيت وجريت بسرعة من الأوضة. رجلي الحافية كانت بتخبط بصوت عالي على أرضية الحجر. طرت جنب كام خادم متفاجئ ودست على جاريد تقريباً من استعجالي. ما فيش وقت أشرح. طلعت من الباب الأمامي وخبط فيا مطر غزير. بإيد مسكت طرف الفستان ورفعته عشان أعرف أجري، وبالإيد التانية مسحت الشعر المبلول من على عيني. العربية كانت بتزيد سرعتها بالراحة. زقيت نفسي أسرع.

"لأ!" صرخت.

جريت بكل قوتي. الطين غطى رجلي ورشّ على ركبتي وطرف الفستان كان غرقان في الطين بس ما فرقش معايا. كل اللي كان مهم هي العربية اللي قدامي وأخويا جوّاها بياخد مكاني. الطين بيطشطش و اتزحلقت وأنا بجري. لما العربية لفت ركن واختفت من عيني، صرخت وبعدين وقعت. كفوفي اللي لسه متعورة لحقتني قبل ما أقع خالص في الطين الغويط. فضلت قاعدة كده. فستاني مفرود حواليا زي كوم مبلول و انهارت. على ركبتي و بترعش والمطر نازل حواليا، وصلت لأسوأ حالاتي. أخويا خد مكاني. كنت مستعدة أروح وهو عمل الحاجة اللي ما تخطرش على بال حد.

في ثواني حسيت بدراع جاريد حوالين كتفي وهو راكع جنبي. رمى العباية بتاعته الدافية عليا ونفضتها. ما كنتش حاسة بالبرد. ما كنتش حاسة بأي حاجة غير الوجع.

"كان المفروض أكون أنا." همست. "كنت مستعدة أروح."

كنت بتمنى إنه ما يشوفش الدموع في وسط المطر. من كتر العياط ده هيفتكرني ضعيفة. بس دلوقتي أنا ما كنتش حاسة بالقوة. دموعي اختلطت بالمطر اللي نازل من مناخيري باستمرار. ما عرفتش قعدنا كده قد إيه.

في الآخر المطر وقف خالص وكنت بترعش بعنف. جاريد شالني بين دراعاته وضمّني على صدره الدافئ زي ما يكون بيشيل طفلة. وبعدين رجع بينا للقلعة وهو بيمشي في الطين الغويط.

"كان المفروض أكون أنا." همست عند رقبته.

ليلى شهقت لما شفتنا وده كان بسبب وجيه. كنا مهزلة. الطين متكدس في كل حتة، خصلات شعر لازقة على رقبتي وحوالين وشي. كنت مبلولة تماماً وجسمي بيخبط من البرد. جاريد كان الطين مغطي جزمه وهو كمان كان غرقان.

"جهزي لها حمام سخن وخليها تنام." أمر جاريد كأني طفلة. نزلني وثبتني على رجلي. فضل واقف معايا ودرعاته حوالين كتفي. لما ليلى جت تاخدني، هو مشي بعد ما ابتسم لي ابتسامة بسيطة.



"إيه اللي حصل؟" سأل جاريد وهو بيمشي في قاعة العرش. إيف لسه قايلاه الأخبار البشعة. جاريد ما كانش عايز يصدق. جوزيف كان واقف بيبص من الشباك على الشمس وهي بتغيب. "إيف هاجمتني. وبعدين انهارت تماماً. إيه اللي حصل؟" كرر جاريد. جوزيف اتنهد وكتفه انحنى.

"ماما لقت طريقة تخرجنا بيها من الديون. واحد مننا لازم يتجوز واحد من ولاد الملك ثيو." قال جوزيف كأنها مسألة بسيطة.

جاريد سحب نفس. الملكة هتجوز واحد من ولادها لملك طاغية. إيف مش هتقدر تعمل كده. الملكة مش هتقدر تجبرها. جاريد كان عارف إيه نوع الحياة اللي هتستناها كعروسة لواحد من ولاد الملك ثيو.

"يا جاريد أنا عارف إحساسك ناحية أختي." بدأ جوزيف الكلام بس جاريد قاطعه.

"لازم تنقذها." قال جاريد. "ما ينفعش تسيبها تعمل كده." جاريد بص لـ جوزيف. "أرجوك يا جوزيف. لازم يكون فيه طريقة تانية. كلم مامتك عشان تتراجع. أكيد فيه أي حاجة تانية هتنقذ المملكة."

"فيه طريقة تانية." قال جوزيف عشان هو بيحب أخته الصغيرة وصديقه المقرب. بالكلمة دي، ساب قاعة العرش وراح يدور على والدته. هتسمح له يروح، ولو ما سمحتش هو كده كده هيروح. لما وصل أوضتها كانت مستنياه. هي عارفة، طبعاً عارفة. "أنا اللي هاخد مكانها." قال جوزيف وابتسمت.

"أنت رايح عشان أختك ولا رايح عشان جاريد؟" مشاعر جاريد لـ إيف كانت واضحة لكل الناس ما عدا إيف. الكل كان عارف هو حاسس بإيه، كان ممكن يعمل أي حاجة عشانها.

"عشانهم هما الاتنين." جاوب جوزيف.

"هتوحشني." ردت وهي بتضمه في دراعاتها.

جوزيف ساب والدته عشان يجهز حاجاته للرحلة في خلال كام ساعة. لما رمى حاجته في شنطة، قعد يكتب جواب صعب لأخته. هتكون غضبانة بس في الآخر هتفهم. هتكون سعيدة لو قعدت. الجواب ده خده الليل كله عشان يكتبه. ما كانش سهل إنه يحط كل مشاعره على الورق. مع شروق الشمس، طبّق الورقة وكتب اسمها من برة. جوزيف عدّل هدومه المكرمشة وبعدين بآخر نظرة لأوضته، مشي من غير ما يبص وراه تاني. وهو خارج، عدّى على جاريد اللي كان مستنيه عند الباب.

جاريد قام بسرعة وفتح بقه بس ما لقاش كلام يوصف بيه إحساسه. "شكراً." قدر يقولها في الآخر. جوزيف حضن صديقه المقرب وبعدين سلمه المذكرة. بإشارة بإيده، جوزيف خرج من حياته القديمة.

تعليقات