الأقسام

قصص تاريخية

... ...

قصص فانتازيا

... ...

قصص رعب

... ...

قصص رومانسية

... ...

قصص مخصصه لك

    قصص المختلط

      روايه الجميله وراعي البقر

      الجميله وراعي البقر

      بقلم,

      تاريخية

      مجانا

      بنت اسمها نويمي، أبوها السكير والمفلس بيبيعها لراجل غريب عشان يسدد ديونه بعد الحرب. بتسافر معاه بالقطر لبلد جديدة في الغرب الأمريكي، وهناك بتقابل الراجل اللي اشتراها، "راعي بقر" وسيم وغامض اسمه ريفن بلاكستون. بتكتشف إن البيعة دي عبارة عن جوازة غصب عنها لازم تتم فوراً في الكنيسة. بعد مراسم باردة، بتسيب أبوها وتمشي مع جوزها الجديد لمصير مجهول. نويمي بتقرر إنها لازم تكون قوية وتنجو بحياتها الجديدة مهما كانت صعبة.

      نويمي

      رغم الظروف اللي هي فيها. أبوها "باعها" عشان يسدد ديونه. هي خايفة بس مصممة تكمّل وتعدي من الأزمة دي، وعندها كبرياء خلاها متخافش تواجه "ريفن".

      ريفن بلاكستون

      "راعي البقر" اللي اشترى نويمي. راجل وسيم بشكل قاسي، وشه مليان ندوب، وغامض جداً. باين عليه إنه مسيطر والناس بتخاف منه. بارد ومبيتكلمش كتير، لكنه أظهر جانب حنين لما هدأ نويمي وقت نوبة الهلع بتاعتها

      والد نويمي

      راجل سكير ومفلس رجع من الحرب. باع بنته مقابل الفلوس عشان يسدد ديونه. شخصية ضعيفة ومنهارة، وكل اللي همه الفلوس والويسكي.
      الجميله وراعي البقر
      صورة الكاتب

      نويمي
      
      القعقعة المنتظمة لقضبان القطار تتردد أصداؤها عبر المقعد الخشبي تحتي، اهتزاز ثابت يرتجف في عمودي الفقري ويصل إلى عظامي. الهواء داخل عربة القطار ثقيل بروائح أجساد لم تُغسل، وصوف رطب، وتبغ محروق لاذع، لكن كل ده مكنش مهم—طالما عيناي مُثبتتان على الدنيا التي تجري مسرعة خلف نافذة عربة الطعام.
      
      الزجاج بارد على أطراف أصابعي وأنا أضغط يدي عليه، أراقب المشهد المهزوز يتكشف مثل صفحات قصة لم أقرأها من قبل.
      
      السماء زرقاء باهتة، من النوع الذي يبدو وكأنه مشدود أكثر من اللازم، والأرض تحتها تمتد في موجات لا نهاية لها من العشب الذهبي، مرقطة ببقع من الخضرة العنيدة. ثم، يبطئ القطار مع اقترابه من منعطف، وتصبح الدنيا أوضح.
      
      أنفاسي اتحبست لما رأيت ما أمامي.
      
      هناك، على ضفاف النهر الأزرق الصغير، تقف ذئبة رمادية مع جرويها، فراؤهم الفضي يتموج في الريح، رطب وملتصق بالطين العالق ببطونهم. كانوا يمزقون البطون الطرية لسمك نفق على الشط، أسنانهم الصغيرة تنهش اللحم بشراهة وهو يلمع في ضوء آخر النهار.
      
      الذئبة الأم تقف فوقهم، عضلاتها مشدودة تحت فرائها، أذنيها منتصبة نحو القطار. عيناها الذهبيتان تلتفتان إلى النوافذ، إلى القطار المتباطئ، وتتثبت في عينيا لثانية وجيزة بينما تمر عربتي بجانبها. شعرت بشيء يقبض جوه صدري.
      
      كانت تراقبني حتى اختفت عن نظري. ليس خوفاً، ولا فضولاً، ولكن كتحذير.
      
      هي تعرف أن عليها إبقاء صغارها قريبين منها، لحمايتهم من الأخطار التي تتربص بهم داخل البرية وخارجها.
      
      حاجة كان نفسي حد يعملها علشاني.
      
      أطلق القطار صُفارة طويلة ومجوفة، تشق الهواء زي السكينة لتُعلمنا أننا على بعد أميال قليلة من وجهتنا، فرفعت الذئبة الأم رأسها أعلى، وفتحات أنفها اتسعت.
      
      هي عارفة الصوت ده معناه إيه. وإحنا معنانا إيه. دفعت جرويها أقرب إلى الغابة خلفها، بعيداً عن الضجيج، بعيداً عن السكة التي تفصل البرية عن البشر اللي مسميين نفسهم أسيادها.
      
      هنا، هي فريسة. مبقتش مفترسة.
      
      وإحنا اللي بقينا المفترسين.
      
      الفكرة جعلت معدتي تتقلب. أصابعي انكمشت على الزجاج. الذئبة لم تهرب. وقفت مكانها، متثبتة في الأرض، تحدق في الوحش الحديدي الذي يحملني بعيداً عن كل شيء عرفته يوماً. أتساءل إن كانت تشعر بنفس الشد في صدرها، نفس الوجع المتململ الذي يخبرها أن تهرب قبل فوات الأوان.
      
      ثم، بينما بدأت آخر عربة في القطار بالمرور، خفضت رأسها واختفت وسط العشب الطويل، وجرويها يتبعانها كالظلال. اللحظة راحت، ابتلعتها حركة القطار الأمامية التي لا ترحم، لكنها بقيت عالقة في عظامي.
      
      أتساءل إن كانت ستفكر بي الليلة تحت ضوء القمر، بنفس الطريقة التي أعرف أنني سأفكر بها.
      
      القطر اهتز وبطّأ سرعته، عجلاته الحديدية تصدر صريراً فوق القضبان، وأبي يتمايل على الشباك المقابل لي، رأسه تخبط خبطة مكتومة في الإزاز. تمتم بشيء غير مفهوم، كلماته متهدجة وضائعة وسط القعقعة المنتظمة لعربة القطار.
      
      ريحة الويسكي فايحة منه في موجات، تقيلة وتخنق، تقلب معدتي أسوأ من تأرجح القطر نفسه. أدرت وجهي نحو النافذة مرة أخرى، أبلع ريقي ضد الغثيان، لكن هذا لم يساعد. لا شيء يساعد.
      
      مبقتش عارفة عدى كام كاس شربه منذ صعودنا. يرفع قزازته بين المحطات، يعيد ملأها كلما وجد يداً أخرى مستعدة لتناوله زجاجة. لقد كان مخموراً منذ عودته من الحرب—راجل مهزوم لم يتبق له شيء سوى زجاجة في يد وديون في الإيد التانية.
      
      لكن المرة دي... الوضع أوحش.
      
      ربما العار هو الذي يغرقه الآن، يسحبه أعمق في الزجاجة، أو ربما هذا هو ما أصبح عليه.
      
      راجل أجوف باع بنته تمن لخطاياه.
      
      أمسك بالحافة البالية لمقعدي، أصابعي تغوص في الخشب المتشقق، بحاول أخلي إيديا تبطل تترعش.
      
      مش من الخوف.
      
      أبداً مش من الخوف.
      
      ولكن من تقل كل ده—تقل جسده المائل في غيبوبة ويسكي، وتقل القطار الذي يسحبني أبعد وأبعد عن كل ما عرفته في حياتي، وتقل ما ينتظرني في آخر السكة.
      
      في الخارج، المشهد سحابة ضباب، يجري في خطوط من الذهب والأخضر. ولّت تلك الأشجار الكثيفة الباكية وحرارة لويزيانا البطيئة التي تقطع النَفَس. لا مزيد من مياه المستنقعات تلطش على حواف الطرق المرصوفة بالطوب، لا مزيد من أشجار السرو الصلعاء تقف كحراس صامتين في الضباب.
      
      هذا المكان مختلف.
      
      مفتوح.
      
      واسع.
      
      الهوا هنا ممتد عبر تلال متدحرجة لا نهاية لها، السماء كبيرة وباهتة، كما لو أنها مُسحت من عليها الألوان. في الأفق، ترتفع قمم الأشجار كأسنان مسننة، قممها الخضراء تتلاشى في الضباب.
      
      أتساءل كيف سيكون الشعور لو تسلقت إلى قمة إحداها، ونظرت إلى العالم بالأسفل وشعرت بأنني صغيرة، بس حرة.
      
      داخل القطار، الدكك الخشب ناشفة تحتي، حوافها ناعمة من كتر استعمال المسافرين الذين سبقوني—أناس كان لديهم مكان يذهبون إليه، مكان يهربون إليه، مثلي تماماً. القطار يتأرجح، والأرضية تحت حذائي تهتز مع صوت 'تك-تك' القضبان الثابت، صوت أصبح مألوفاً أكثر من اللازم.
      
      يجب أن أكون خائفة. لكني لا أعرف إن كنت حتى أتذكر كيف يبدو هذا الشعور. لا يوجد سوى هذا التنميل الباهت، يتسلل كشبورة بطيئة، ينعّم حواف كل شيء قبل أن يجرح بعمق.
      
      ربما عقلي بيحمي نفسه. ربما يعرف أنه من الأفضل ألا يدعني أشعر بكل شيء مرة واحدة. العقل ده حاجة غريبة.
      
      أخرجت نفَساً، بطيئاً وثابتاً، ضاغطةً بظهري على مسند الدكة الصلب. لم يتبق لي شيء من أمي سوى الكتاب الذي أعطتني إياه—لا ممتلكات، لا رسائل، لا أثر لها سوى ما هو محفور جوه عضمي.
      
      بس لسه كلامها معايا.
      
      وأنا أتمسك به كما لو كان آخر شيء يبقيني واقفة على حيلي.
      
      اسمك نويمي هالي، وإنتي هتعدي من ده.
      
      لذا...
      
      اسمي نويمي هالي، وأنا هعدي من ده.
      
      أفكر في اليوم الذي كان أبي بيستعرضني فيه في ذلك البار المعتم المليان دخان في نيو أورلينز—الطريقة التي انحنى بها الرجال، ضحكهم التقيل بالويسكي، ابتساماتهم تلتوي كالنسور التي تحوم حول فريسة طازة. كيف رفع تلك اللوحة، يمررها من طاولة إلى أخرى، تاركاً عينيهم الجعانة تاكلني حتى قبل أن تفعل أيديهم ذلك.
      
      كنت شيء، صفقة، فرسة معروضة في مزاد. أصابعهم لمست ذراعي، خصري، شعري، يختبرونني، كما لو كان لهم الحق.
      
      لسه مش مصدقة إنه عملها. بس برضه، لأ، مصدقة.
      
      لقد خسر كل شيء—كبرياءه، حربه، وعقله. أنا كل اللي فاضل له عشان يتاجر بيه.
      
      القطر اتنتع، الوحش الحديدي يئن تحتنا بينما تصرخ العجلات على القضبان. اندفعت للأمام، ممسكة بالمقعد حتى لا أسقط في الممر.
      
      أبي بالكاد اتحرك، فقط تمتم بشيء تحت أنفاسه وترك رأسه يرجع لورا على النافذة الرطبة.
      
      ثم، صمت.
      
      الموتور طلع نَفَس طويل فيه صوت هسيس، وعرفت أننا وصلنا.
      
      رمشت بعيني، أجر نفسي من سحابة الذكريات، أصابعي متيبسة وهي تبتعد عن المقعد.
      
      إندبندنس، ميزوري. راح خلاص الحر المِعقَّد اللي بيخنق بتاع لويزيانا. مكان جديد، كابوس جديد.
      
      خارج النافذة، تمتد البلدة أمامي—كلها تراب، ودوشة، وتغلي بالحياة.
      
      رصيف القطار كان بحراً من الحركة من حيث أراقب عبر النافذة. رجال يرتدون برانيط عريضة ومعاطف عليها خطوط تراب بيتمطعوا بالقرب من المحطة، بعضهم يصرخ لبعضهم البعض فوق هسيس البخار، وآخرون يراقبون الركاب الوافدين بفضول باهت بينما ينتظرون في طابور للنزول من القطار. نساء يرتدين فساتين قطن باهتة يمسكن بأيدي أطفالهن، وجوههن مجهدة، وشعرهن مسحوب في كعكة مشدودة تحت قبعاتهن. أطفال بيجروا بين الصناديق والشنط، أقدامهم الحافية تطير التراب وهم ينسلون عبر الحشد.
      
      رجل مشمر دراعاته لحد كوعه يرمي شكاير تقيلة على عربة، صوت خبطة الغلال على الخشب بالكاد مسموع وسط جلبة الركاب المستعجلين الذين يحاولون النزول بسرعة. عربة حنطور تقف بالقرب من نهاية الرصيف، فريق خيولها يدب في الأرض بزهق، يهشون الذباب المتجمع في الحرارة بذيولهم. رائحة العرق، ورائحة التراب التي تسبق المطر، والروث تملأ الهواء، تختلط بالرائحة الحادة لدخان فحم الموتور الذي أجلس فيه.
      
      بلعت ريقي بصعوبة، أحاول استيعاب كل هذا، لكن الموضوع كان ضخم—أكبر من اللازم، أسرع من اللازم، وغير مألوف.
      
      الأرض تبدو أوسع هنا، تمتد في كل اتجاه، جامحة ومفيش ليها آخر.
      
      مفيش مكان أستخبى فيه.
      
      باب القطار انفتح بصوت صرير، وبدأ الركاب يجروا رجليهم للخارج، أحذيتهم تحتك بألواح الرصيف الخشبية البالية. لم أتحرك. لسه شوية. أبي تحرك أمامي، يفرك وجهه، لكني بالكاد لاحظته.
      
      بدلاً من ذلك، ضغطت بكف إيدي على الشباك، أشعر بالزجاج البارد تحت أطراف أصابعي، نبضي ثابت وبطيء. ها هي. نهاية قفص وبداية قفص تاني.
      
      اسمي نويمي هالي، وأنا هعدي من ده.
      
      تبعت أبي وهو بيترنح وهو قايم من مكانه عندما خفت الطوابير عند كلا الطرفين، مشيته مش متزنة وبيطوح وهو يشق طريقه نحو المخرج.
      
      الرصيف كان مليان دوشة—أناس يصرخون، قعقعة معدنية للشنط وهي تُسحب من القطار، صهيل الخيول المتململ المربوطة قريبة جداً من بعضها—لكن كل هذا بدا بعيداً، مكتوماً، كما لو كنت بتفرج عليها من ورا لوح إزاز تخين.
      
      يداي تشتدان حول أحزمة الحقيبتين الصغيرتين اللتين أحملهما، عقل صوابعي وجعاني من شدة قبضتي عليهما. أركز على الوزن، الضغط، أي شيء ليبقيني ثابتة.
      
      وبعدين شفته.
      
      كان يقف عند طرف الرصيف، بعيد عن الفوضى دي، طويل وثابت، كما لو أن العالم من حوله لا يلمسه بالطريقة التي يلمس بها أي شخص آخر. آخر شعاع شمس قبل ما تمطر يقطع وجهه تحت حافة قبعة رعاة البقر السوداء المليئة بالتراب، ينعكس في عينيه الرمادي الغامق اللي زي لون العاصفة. كانت عيناه تتنقلان فوق الركاب الوافدين، بلا اهتمام، بانفصال.
      
      لحد... ما جت عليا.
      
      للحظة، نسيت أتنفس.
      
      وجهه كان كله زوايا حادة وملامح خشنة، فك قوي يؤدي إلى رقبة تحمل ندوباً قديمة—ندوب تمتد من تحت خط فكه، تختفي تحت ياقة معطفه المتهالك. كانت مشرشرة، ومش متساوية، من النوع الذي تتركه المعارك والزمن.
      
      لم أرها من قبل، ليس في النور الخافت بتاع البار في لويزيانا عندما كان يربط قناعاً على فكه، مخبيها عن الأنظار. لكن هنا، تحت السماء المظلمة، كان مستحيل تجاهلها.
      
      حتى مع وجودها—أو ربما بسببها—كان أكتر راجل وسيم بشكل مدمر شوفته في حياتي.
      
      شعره، بني غامق ومموج، يلف قليلاً حيث بيطل من تحت قبعته، الهوا بعتره وهو يحمل رائحة الخيول والتراب عبر المحطة.
      
      كان هناك شيء في الطريقة التي يقف بها، شيء خطير، ولكن ليس بالطريقة التي كان عليها الرجال في بلدي. مش بالطريقة اللي بتخليني أقشعر.
      
      لأ، ده مختلف.
      
      هذا رجل لا يحتاج أن يرفع صوته لكي يسيطر على أوضة، لا يحتاج أن يمد إيده على مسدسه عشان الناس تخاف منه. إنه رجل يحمل سمعته في وقفته، في الثقة الهادئة التي لا تهتز لشخص عدى من حاجات أسوأ من اللي الناس بتتهامس عليها.
      
      
      
      
      
      
      ودلوقتي، هو بيبصلي.
      
      تقل نظرته بعت قشعريرة حادة في ضهري، تحذير، وسؤال. المفروض أشيح بنظري بعيد، بس معملتش كده. مقدرتش.
      
      لأني إزاي معرفش، عارفة—إن ده الراجل اللي اتبعتله. أنا عارفة العيون دي. دي العيون اللي بصت جوه روحي وشافت حاجة تستاهل تتشرى.
      
      هو متحركش وإحنا بنقرب، مغيَّرش وقفته ولا رفع قبعته للتحية. هو بس بيتفرج، بعيونه الرمادية الباردة دي علينا، ومحدش يقدر يقراها.
      
      قلبي اتخبط في صدري، دقة حادة ومش منتظمة، واضطريت أفكر نفسي أتنفس—أفكر نفسي إن ده حقيقي.
      
      أنا مش هخاف.
      
      أنا هعدي من ده.
      
      اسمي نويمي هالي.
      
      "خمسة آلاف،" أبويا قالها بلسان تقيل، وهو بيشاور بإيده بكسل في الهوا وإحنا بنقف عند طرف الرصيف الخشبي.
      
      نظرة الراجل اتنقلت ليا، ببطء وتقييم، وفجأة حسيت إني قليلة أوي. مش زي ما حسيت زمان في نيو أورلينز، لما الرجالة كانوا بيبصولي كأني حاجة تتاخد، تتقلب، تتمتلك. ده مختلف. عينيه مش بتبص ببجاحة—دي بتوزن، بتضغط عليا زي قوة من قوى الطبيعة، زي الهوا التقيل قبل ما العاصفة تهب.
      
      "ده كان الاتفاق،" قال كده، صوته واطي وثابت، من النوع اللي يستقر جوه الصدر زي حاجة مابتتهزش.
      
      ده بعت فيا رعشة، مش من الخوف، ولا من القرف—من حاجة تانية خالص. حاجة مفيش ليها اسم عندي.
      
      أجبرت نفسي أرفع وشي، أقابل نظرته عين في عين.
      
      عينيه كانت زي الهدوء اللي قبل العاصفة—سحب رعد مستنية تمطر، غامقة وملهاش آخر، وللحظة، حسيت إني بغرق، بتسحب لتحت بتيار مقدرش أقاومه. هو وسيم، بس مش بطريقة تخليك تطمن. فيه حاجة خشنة فيه، حاجة مش متساوية، كأنه اتنحت من الصخر واتساب في الهوا يعتق. بس فيه حاجة تانية كمان—حاجة مكسورة. حاجة تخليني عايزة أبص بعيد، حتى وإنا بجبر نفسي معملش كده.
      
      "أيوة،" أبويا تمتم، وهو بيفوق وبيتلفت، عقله خلاص راح للكاس اللي جاي. "هي بتاعتك أول ما آخد الفلوس."
      
      راعي البقر هز راسه، مرة واحدة بس. "تعالي معايا،" قالها، صوته مبيسمحش بأي نقاش. بعدين لف ومشي، حتى مكلفش نفسه يشوف أنا وأبويا ماشيين وراه ولا لأ.
      
      فضلت واقفة مكاني، رجليا تقيلة على ألواح الرصيف البالية، الخشب تحتي لسه بيترعش من تقل القطر.
      
      أهي دي.
      
      أهي دي حياتي دلوقتي.
      
      بصيت ورايا على أبويا، بدور على—إيه؟ لحظة تردد؟ إنه يفكر تاني؟ بس هو حتى مستخسرش فيا دي. كان خلاص بيترنح ورا اللي اشتراني، خلاص بيمد إيده على تمنه، خلاص بينساني. الغصة اللي في زوري زادت، ناشفة ومبتروحش، بس بلعتها. مفيش حاجة فاضلالي في نيو أورلينز. مفيش غير الوجع. مفيش غير وعود مكسورة.
      
      خدت نفس بطيء، فردت كتافي، ونزلت من على الرصيف.
      
      راعي البقر مشي قدامي بخطوات واسعة وليها هدف، معطفه بيتحرك مع كل خطوة. جزمته بتخبط في الأرض بثقة راجل متعود الناس تمشي وراه، متعود يتطاع، متعود يأمر.
      
      أبويا كان ماشي جنبه، مع إن خطواته كانت أقل ثبات، بيطوح شوية مع كل حركة. وأنا؟ كنت بجر نفسي وراهم، خطواتي سريعة أوي، ومش منتظمة، وأنا بحاول ألاحق خطوة راجلين خلاص قرروا مصيري.
      
      مسكت شنطي جامد أوي، حياتي كلها في الشنطتين الصغيرين دول، وزنهم تافه جنب الحقيقة الأتقل اللي ضاغطة عليا.
      
      حقيقة إني ماشية في اتجاه مستقبل مختارتوش.
      
      مستقبل ملك لراجل حتى معرفش اسمه.
      
      خلاص، هيفضل راعي بقر لحد ما يحس إنه عايز يعرف نفسه. راعي البقر... بتاعي، غالباً.
      
      بلدة إندبندنس بانت قدامي، مفرودة ومتململة، بعيدة كل البعد عن سكون بيتي الرطب.
      
      الشوارع كانت زحمة حركة، لخبطة متشابكة من الناس والحيوانات، عربيات كارو وعربيات بحصنة، أصوات بتزعق تعلى على بعض. فريق خيول عدى بيجرجر، حوافرهم بتطير التراب في سحب تقيلة وبتدور، دخلت في زوري. ست واقفة جنب فرشة السوق، شايلة ابنها على وسطها وهي بتفاصل مع بياع بيبيع فروع لافندر ناشفة. قريب منهم، مجموعة رجالة مأنتخين جنب ورشة الحداد، بيمسحوا العرق من على وشهم وهما بيتكلموا بصوت واطي، عينيهم بتيجي على راعي البقر اللي قدامي—وبعدين يبصوا بعيد بسرعة.
      
      لاحظت وقتها، إزاي الزحمة بتتغير حواليه، إزاي الناس بتوسعله من غير ما يطلب. شوية بيبصوا لفوق، فضول بيلمع في ملامحهم قبل ما يبصوا بعيد، كأن مجرد النظرة في عينه ممكن تحرقهم. وناس تانية مبتاخدش الريسك ده أصلاً، بيفضلوا موطيين راسهم، انتباههم متركز في أي حتة تانية غير عليه.
      
      وبرضو، هو مبطأش.
      
      أجبرت نفسي أفضل ماشية، بزاوغ بين الناس، بتفادى البراميل والصناديق وكيمان روث الخيل اللي سايبها مرور اليوم. إندبندنس مفيهاش أي حاجة من بيتي. حاساها أكبر. أدوش. أقسى. مفيش شجر سرو هنا، مفيش غطا تقيل من الرطوبة بيضغط على جلدي. مجرد حر ناشف، وتراب، وإحساس طاغي إني مش تبع المكان ده.
      
      تقل الحقيقة دي استقر جوه صدري. صوابعي قفشت على سيور شنطي، وعقل صوابعي وجعتني.
      
      أنا لوحدي بجد.
      
      الفكرة خبطت فيا، حاجة مفاجئة وساحقة، ولثانية واحدة يائسة، كنت عايزة أجري. ألف وأرجع، ألاقي القطر، أهرب قبل ما يفوت الأوان.
      
      بس الأوان فات خلاص.
      
      عشان أبويا مبصش وراه.
      
      عشان راعي البقر فضل ماشي.
      
      عشان مفيش مكان تاني أروحه.
      
      فأجبرت رجليا تتحرك، خطوة ورا التانية، ماشية ورا اللي اشتراني واللي باعني في اتجاه عربية مستنية في آخر الشارع الزحمة.
      
      لما وصلنا للعربية، الراجل اللي بيشع خطر ده لفلي وهو بيفتح الباب. ملامحه متتقريش، عيونه الرمادي متتقريش، وحتى معزمنيش أطلع. متكلمش. هو بس اتفرج عليا—مستني.
      
      اترددت، صوابعي بتقفش على سيور شنطي. نفسي اتحبس في زوري، غصة اتكونت مش عارفة أبلعها. معرفش المفروض أعمل إيه—أستنى أوامر، أطلب إجابة، أجري؟ بس بعدين، لمحتها—لمعة نفاد الصبر في عينيه، حادة وعدت بسرعة. رجليا اتحركت قبل ما أفكر أحسن.
      
      اتسلقت عشان أطلع العربية، كفوفي اتزحلقت على الإطار الخشب الخشن وأنا قربت أفقد توازني. المقعد كان ناشف تحتي، وقعدت مفردوة ضهري أوي، نبضي بيدق جوه ضلوعي.
      
      أنا مش تبع هنا.
      
      أبويا طلع ورايا، اتسلق بتردد أقل بكتير. اتنهد وهو بيستقر على المقعد المنجد اللي قصادي، رزمة فلوس في إيده. صوابعه قفشت عليها كأنها طوق نجاة، كأن تقل الورق ده أهم من تقل اللي هو عمله.
      
      راعي البقر اتحرك بسلاسة، قفل الباب وراه قبل ما ينط على قدام العربية كأنه عملها ألف مرة قبل كده.
      
      بإيد واحدة، أبويا مد إيده في صديريته وطلع قزازة جلد سودة، فك غطاها بصباعه قبل ما ياخد شفة بطيئة ومقصودة. عروق رقبته اتحركت وهو بيشرب، إيده التانية ماسكة رزمة ورق فلوس—خمسة آلاف دولار.
      
      نص التمن اللي قاله.
      
      التمن اللي التانيين مجرؤوش يدفعوه.
      
      "المراسم هتبقى إمتى؟" صوت أبويا وصل من الشباك الصغير اللي بينا، واطي وثابت، كأنه عارف الإجابة خلاص.
      
      قصادي، هو لحس شفايفه، ريقه بيجري على منظر الفلوس. "القسيس مستنينا في الكنيسة،" راعي البقر رد، يادوب اتكلم قبل ما اللجام يطرقع في إيديه والعربية تندفع لقدام.
      
      الكلام خبطني زي قلم على وشي ورصاصة في بطني.
      
      كنيسة.
      
      قسيس.
      
      جواز.
      
      لأ.
      
      لأ، لأ، لأ.
      
      جسمي اتصرف قبل ما عقلي يستوعب. إيديا اتمدت على باب العربية، صوابعي بتشد، بتخربش في الأوكرة وأنا بزق فيه. مش عايز يفتح بسرعة، مش عايز يخليني أخرج قبل ما الهوا في العربية يقفل عليا.
      
      هوا.
      
      أنا محتاجة هوا.
      
      المكان ضيق أوي، صغير أوي، قريب أوي—أبويا قصادي، وراجل غريب سايق، ومعلومة إني بتاخد، إني خلاص اتاخدت، ضاغطة عليا زي تقل سحق.
      
      شديت أقوى، الباب أخيراً فتح، وكنت هقع من العربية وهي ماشية، سندت على إيديا وأنا بخبط في الأرض.
      
      الخبطة لسعت، جلدي اتسلخ على تراب الطريق الناشف. قومت وقفت على رجلي وأنا بطوح، كل عصب في جسمي بيصرخ فيا أجري، أجري، أجري.
      
      الكلام مش راضي يسكت في دماغي.
      
      قسيس مستني.
      
      مراسم.
      
      جواز.
      
      ده مش حقيقي. مستحيل يكون حقيقي.
      
      الرؤية غبشت على الأطراف، رئتي بتقفش، صدري بيعلى ويوطى بسرعة أوي، مش منتظم. إيديا بتترعش على ركبي وأنا موطية لقدام، بحاول أدخل الهوا لجسمي تاني مع كل شهقة. بس الهوا مش راضي يدخل.
      
      غمضت عيني جامد.
      
      مش قادرة أتنفس.
      
      صوت جزم بتخبط على التراب بالكاد سجلته وسط رعبي، بس بعدين—إيد. دافية وثابتة، بتضغط برفق على ضهري، بتمسح بحركات دائرية بطيئة. لمسة مش خشنة، مش غصب.
      
      
      
      
      
      
      
      
      ...مجرد... هناك.
      
      أنتفض مبتعدة عنها في الحال. جسدي يتحرك قبل أن أفكر، أتعثر للخلف بينما نظري يرتفع فجأة، صدري ما زال يعلو ويهبط، ويداي مقبوضتان. وها هو ذا.
      
      راعي البقر.
      
      راعي البقر الخاص بي.
      
      هو لا يتحرك، لم يمد يده إلي مرة أخرى. هو ببساطة يراقب، عيناه الرماديتان كالعاصفة ثابتتان، لا تتزحزحان.
      
      "للداخل من أنفك،" قال، آخذاً نفساً عميقاً وحابساً إياه. انتظر. يراقب. يتوقع.
      
      ترددت، جسدي ما زال حبيس الذعر، لكن شيئاً ما في الطريقة التي يتحدث بها—الثقة الهادئة في صوته—جعلتني أستمع.
      
      استنشقت بحدة من أنفي، أحاول حبسه كما يفعل، لكن أنفاسي ارتجفت في صدري، ضلوعي تؤلمني من شدة دقات قلبي.
      
      "للخارج من فمك." زفر ببطء، شفتاه تنفرجان بما يكفي لخروج النَفَس. عيناه لم تترك عيني أبداً. "ركزي على دقات قلبك،" قال، بهدوء ولكن بحزم. "اشعري بها في صدرك. وأجبريها أن تبطئ."
      
      بلعت ريقي بصعوبة. يداي ما زالتا ترتعشان، رأسي ما زال يدور، لكني أومأت.
      
      نَفَس آخر للداخل. أبطأ هذه المرة.
      
      آخر للخارج.
      
      وببطء، بدأ الثقل يرتفع.
      
      أراقبه وأنا أتنفس، أراقبه وهو يراقبني. لم يستعجلني، لم يضغط. فقط انتظر، كما لو أن لديه كل الوقت في العالم.
      
      "خذي وقتك كما تحتاجين،" تمتم، ولا أعرف لماذا، لكني أستمع إليه.
      
      أومأت مرة أخرى، وآخر نَفَس عميق يملأ رئتي. الغثيان في معدتي هدأ، وعندما وجدت صوتي أخيراً، كان بالكاد أعلى من الهمس.
      
      "مرحباً، يا راعي البقر؟"
      
      انعقد حاجبه قليلاً عند سماع الاسم، شفتاه ارتعشتا عند الزوايا. "راعي البقر؟"
      
      "حسناً،" قلت، مخرجة آخر ما تبقى من ذعري، "أنا لا أعرف اسمك. لذا، 'راعي البقر' سيفي بالغرض حتى تشعر بأنك 'رجل نبيل' بما يكفي لتقدم نفسك."
      
      تلك الارتعاشة كادت أن تتحول إلى شيء أكثر. شبه ابتسامة، سريعة وعابرة، سريعة لدرجة أنني كدت ألا أراها.
      
      وهكذا، اختفت، متلاشية بينما يدس يديه في جيوب معطفه ويستدير عائداً نحو العربة.
      
      توقف عند المقدمة، متوقفاً بما يكفي ليقابل نظرتي مرة أخرى.
      
      "ريفن بلاكستون،" قال. "لكن 'راعي البقر' سيفي بالغرض."
      
      ريفن بلاكستون.
      
      ريفن بلاكستون.
      
      ثم سحب نفسه إلى مقعد السائق، وتحركنا مرة أخرى عندما أجبرت ساقاي على الصعود مجدداً إلى العربة.
      
      ريفن طرقع باللجام عندما أصبحت بالداخل، واندفعت الخيول للأمام، تسحبنا بعيداً عن المحطة وإلى قلب إندبندنس.
      
      العربة تهتز تحتي، تترجرج مع كل حفرة غير مستوية في الطريق الترابي، العجلات تصر احتجاجاً. أصوات المحطة—الصياح، قعقعة الأمتعة، صفارة القطار المغادر—تتلاشى خلفنا، يبتلعها همهمة البلدة المتنامية.
      
      إندبندنس حية بطريقة لم تكن عليها نيو أورلينز أبداً.
      
      الشوارع فوضى متشابكة من الحركة، أناس وعربات ينسلون بين بعضهم البعض في رقصة غير معلنة تبدو على بعد خطوة واحدة خاطئة من الفوضى. الهواء كثيف بالغبار، الذي تثيره الحركة المستمرة للحوافر وعجلات العربات، رائحة الخيول، التبغ، وشيء يُقلى على نار مكشوفة تختلط معاً.
      
      نساء بقبعات باهتة يمشين على الأرصفة الخشبية، تنانيرهن تحتك بالخشب وهن يحملن سلالاً من البضائع الجافة والقماش. رجل يقف خارج صالون حلاقة، يميل قبعته للخلف وهو يدخن غليوناً، يراقب تدفق الحركة بلا مبالاة. مطرقة حداد ترن في دقات ثابتة وموزونة، مرسلة شرارات تتطاير في الضوء الخافت. بالقرب، يركض أطفال بين الصناديق المكدسة خارج المتجر العام، أقدامهم الحافية تثير الغبار وهم يضحكون ويطاردون بعضهم البعض في الشارع.
      
      من خلال العربات المارة والفرسان على ظهور الخيل، أختلس النظر إلى مؤخرة قبعة ريفن، محاولة فهم الرجل الذي يسيطر الآن على مصيري. جسده يغطيه السواد، وقفته متيبسة، كتفاه العريضان مستقيمان بطريقة تدل على العادة، وليس التفكير—كأنه تعلم ألا يسمح لنفسه أبداً بأن يكون أي شيء سوى منغلق. لا يكشف عن أي شيء.
      
      الندوب التي تشق طريقها أسفل رقبته، مختفية تحت ياقة قميصه الأسود، لها قصتها الخاصة. قصة لا أعرف إن كنت أريد سماعها. قصة لا أعرف إن كان سيرغب يوماً في روايتها.
      
      الثقل في صدري يشتد، شيء بارد يلتف في أعماق بطني، لكني أدفعه. أجد صوتي، رغم أنه يخرج أهدأ مما قصدت.
      
      "هل ستزورني، يا أبي؟"
      
      أبي بالكاد يتفاعل. ضحك بخفوت تحت أنفاسه، يقلب نقوده مرة أخرى، يسوي الأوراق النقدية كأنها أثمن شيء حمله في حياته. لست أنا. أبداً لست أنا.
      
      "عشرة آلاف،" تمتم، وهو يعدها للمرة الثالثة. "عشرة آلاف لعينة."
      
      "يا أبي؟" صوتي يرتجف، ليست النبرة الواثقة التي قصدت استخدامها. خرجت كأنين.
      
      لا أعرف لماذا أسأل. لا أعرف لماذا أتوسل.
      
      لقد كان أباً فظيعاً عندما تجاهلني، وعندما كان ينتبه، كان أسوأ. أسوأ بكثير.
      
      رعشة تسري في عمودي الفقري، ذكرى تشق طريقها إلى السطح، ذكرى أدفنها مرة أخرى قبل أن تتمكن من التجذر.
      
      ربما أنظر إلى كل هذا بشكل خاطئ. ربما هذا ليس كابوساً على الإطلاق.
      
      ربما بيعي لغريب هو حلم متنكر. حلم إذا جعلته كذلك.
      
      تغوص الشمس أكثر، تسكب الذهب فوق أسطح المنازل، ترسم ظلالاً طويلة على الأرض. يصبح الهواء أبرد، أثقل، وأفقد نفسي في إيقاع العجلات، الخبط الثابت للحوافر، المسار البطيء المتعرج عبر الشوارع.
      
      ثم، فجأة، نتوقف.
      
      التوقف المفاجئ يرسلني مندفعاً للأمام، راحتا يدي تصطدمان بحجري بينما أحاول إمساك نفسي. باب العربة يُفتح، وريفن هناك، يقف في ضوء الشمس المتلاشي.
      
      تنتقل عيناه إلى أبي أولاً، وشيء يمر على وجهه—ومضة من الاشمئزاز، الغضب، سريعة لدرجة أنها اختفت قبل أن أتمكن من التأكد من أنها كانت موجودة أصلاً. ثم تستقر نظرته علي، وللحظة، لا أستطيع التنفس.
      
      "هل ترغبين في التوقف عند الخياطة من أجل فستان،" يسأل، صوته ثابت، عيناه الرماديتان لا يمكن قراءتهما، "أم أنك راضية بملابسك؟"
      
      ألقي نظرة على فستاني—مجعد، باهت، مغبر، تذكير بالماضي الذي أُنتزع منه. ماضٍ لا أعرف إن كان يجب أن أتمسك به أم أتركه يموت.
      
      صوته موزون، ثابت—ولكن ليس لطيفاً. لا يوجد فيه سخرية، لا رقة، مجرد سؤال بسيط، قرار عملي.
      
      راعي البقر ذو الندوب الذي اشتراني للتو يعطيني خياراً.
      
      اعتقدت أن حقي الإنساني في الاختيار قد أُلقي به من نافذة القطار من نيو أورلينز إلى سانت لويس.
      
      أهز رأسي. "لا، يا راعي البقر. سأ—"
      
      لكن ريفن كان يستدير مبتعداً بالفعل، يخطو بالفعل نحو أبواب الكنيسة الطويلة، ساقاه الطويلتان تلتهمان المسافة كما لو كان مستعجلاً لإنهاء هذا الأمر.
      
      "القسيس من هذا الطريق."
      
      أدير عيني نحو ظهره، وأنا أعلم جيداً أنه لا يهتم إن فعلت. ثم، أتبعه.
      
      الكنيسة مذهلة، غارقة في آخر درجات ألوان الشمس الدافئة المتسربة عبر الأبواب الزجاجية الملونة، تضيء الألوان الزاهية للقديسين والشهداء كنار مقدسة. الجدران مبطنة بنقوش معقدة لملائكة ونبوءات، المقاعد الخشبية مصقولة بفعل الزمن، صفوف فوق صفوف تؤدي إلى منبر رخامي فخم. خلفه، يلوح أرغن ذو أنابيب ضخم، وجوده مهيب وجميل في آن واحد.
      
      راهبات يتحركن في المكان، بعضهن يركعن أمام نقوش حجرية للإله والسيدة العذراء، أيديهن مشبوكة في صلاة، ورؤوسهن منحنية. أخريات يحملن أغطية، يرتبن الشموع، يتهامسن بعبادتهن لإله تخلى عني منذ زمن طويل.
      
      صوت جزمة ريفن يتردد صداه على الأرضية الحجرية، وأجبر نفسي على اتباعه، حتى بينما ترتجف ساقاي تحتي.
      
      أبي يتعثر خلفي، ما زال متمسكاً بالشيء الوحيد الذي كان يهمه يوماً—نقوده.
      
      عند المنبر، يظهر القسيس. أثوابه بيضاء، مطرزة بالذهب، شعره رمادي وخفيف، وعيناه البنيتان لطيفتان، ولكنهما ثقيلتان—كما لو أنه رأى الكثير من حفلات الزفاف التي ما كان يجب أن تحدث.
      
      "أهلاً بكما،" يقول، صوته هادئ. "هل أنت مستعد للبدء، يا سيد بلاكستون؟"
      
      ريفن يومئ. بحزم. بشكل نهائي.
      
      أبي يتمايل على قدميه، عيناه المحتقنتان بالدم بالكاد تسجلان اللحظة قبل أن يومئ هو الآخر، موافقاً بغباء على كل ما سيأتي.
      
      أستنشق بحدة، صدري ضيق جداً، نبضي عالٍ جداً.
      
      وبعد ذلك، أومأت.
      
      لا عودة الآن.
      
      كلمات المراسم تغمرني، لكني لا أسمعها. أنا غارقة في ذكريات أمي، في الطريقة التي كانت تحتضنني بها، كيف كانت رائحتها تشبه الورود والكتان النظيف، كيف ما كانت لتسمح أبداً بحدوث هذا لو كانت على قيد الحياة.
      
      صوت القسيس يسحبني مرة أخرى.
      
      "هل تقبلين بهذا الرجل زوجاً شرعياً لك، ليكون لك وتحافظي عليه، من هذا اليوم فصاعداً، في السراء والضراء، في الغنى والفقر، في المرض والصحة، لتحبي وتعتزي به، حتى يفرقكما الموت؟"
      
      لا أستطيع التنفس.
      
      أبي حتى لا يرفع نظره. لا يهتم.
      
      ألتقي بنظرة ريفن، ولأقصر لحظة، أرى شيئاً هناك.
      
      ندم؟ شفقة؟
      
      تلاشت بالسرعة التي ظهرت بها.
      
      "أقبل،" أهمس، صوتي بالكاد مسموع، ولكنه نهائي بطريقة ما.
      
      يلتفت القسيس إلى ريفن، تعابيره رسمية. "هل تقبل بهذه المرأة زوجة شرعية لك، لتكون لك وتحافظ عليها، من هذا اليوم فصاعداً، في السراء والضراء، في الغنى والفقر، في المرض والصحة، لتحب وتعتز بها، حتى يفرقكما الموت؟"
      
      جاء رد ريفن فورياً، بلا عاطفة.
      
      "أقبل." صوته منخفض، ثابت، ولم يكن هناك أي تردد. كانت عبارة بسيطة، لكنها تحمل ثقل الحتمية، وكأنه قد قبل هذا المصير قبل وقت طويل من أن أعرف أنه قادم.
      
      وبعد ذلك—
      
      يومئ القسيس، مغلقاً الكتاب ورافعاً يديه للمباركة. "بالسلطة المخولة لي من الكنيسة وولاية ميزوري، أعلنكما الآن زوجاً وزوجة. يمكنك تقبيل العروس."
      
      صمت.
      
      ريفن لا يتحرك. لا يلمسني.
      
      يحدق بي للحظة طويلة، ثم يستدير على كعبه ويمشي مبتعداً.
      
      وهكذا، أنا متزوجة.
      
      متزوجة، ولكن لم أُقبَّل عند المذبح.
      
      متزوجة، ولكن لم يُطلب يدي للزواج أبداً.
      
      متزوجة، ولكن لم يُقل لي 'أحبك' أبداً.
      
      في الخارج، بدأت الشمس في الغروب، وأصبح الهواء أبرد، أثقل. العربة تنتظرنا حيث تركناها، الخيول تدب بأقدامها بنفاد صبر.
      
      ريفن يساعدني على الصعود هذه المرة، لكنه لا يتكلم.
      
      هو ببساطة يصعد إلى مقعده، يمسك باللجام، وبدون كلمة، نمضي.
      
      بعيداً عن الكنيسة. بعيداً عن كل شيء.
      
      نترك أبي في المحطة، لكني أعرف—شبحُه سيطاردني أطول مما فعل وجوده.
      
      بينما تختفي البلدة خلفنا، تبتلعها التلال المظلمة والغابات الكثيفة، أدرك شيئاً واحداً.
      
      لا عودة للوراء.
      
      الطريق أمامنا طويل، متعرج، وغير مؤكد.
      
      وفي نهايته، ينتظرني في الظلال، راعي البقر الوسيم ذو الملامح الخشنة المسمى ريفن بلاكستون.
      
      اسمي نويمي هالي، وأنا سأنجو من هذا.
      
      تصحيح.
      
      اسمي نويمي بلاكستون، وأنا سأنجو من هذا.
      
      

      أحلام على الميناء - روايه رومانسية

      أحلام على الميناء

      بقلم,

      رومانسية

      مجانا

      شابة غنية من بليموث، لكنها "زهقانة" من حياتها المملة والناس اللي حواليها. هي بتقضي وقتها كله في قراية روايات رومانسية عن المغامرات والقراصنة، وبتحلم تعيش حياة زيهم. هي بتكره فكرة الجواز التقليدي من واحد غني وممل. فجأة، أختها "كاتي" اللي وحشتها أوي بتوصل زيارة مع عيلتها. واضح إن كاتي عندها كلام مهم عايزة تقوله لإليزا بخصوص حياتها.

      إليزا

      شابة عندها خيال واسع جدًا، وبتحب المغامرة، ورافضة نمط الحياة التقليدي الأرستقراطي. بتحلم بالبحر والمخاطر والحب الحقيقي.

      السيدة بينز

      والدة إليزا وكاتي. سيدة مجتمع همها الأول إن بناتها يتجوزوا جوازات غنية تليق بوضعهم الاجتماعي.

      هاري

      زوج كاتي. راجل طيب ومحب لعيلته.
      أحلام على الميناء - روايه رومانسية
      صورة الكاتب

      يوليو 1810
      بليموث، إنجلترا
      
      كانت الليدي تبكي وهي راكعة عند قبر حبها الحقيقي الوحيد. 
      وضعت يدًا رقيقة ترتدي قفازًا فوق شاهد القبر وتمنت عودة أيام الماضي.
      
      لم يسمع صرخاتها سوى المحيط، حيث كان القبر يطل على موطن حبيبها الحقيقي. هل كان هناك في الخارج؟ هل يستطيع سماعها؟ لقد تأخرت يومًا واحدًا فقط. فات الأوان لتوديعه. فات الأوان لتعترف بحبها للمرة الأخيرة.
      
      أن يجعلها حبه فارغة وممتلئة في نفس الوقت، كان شيئًا ستتحمله بكل سرور.
      
      مسحت إليزا بينز عينيها وهي تغلق روايتها. آه، يا لها من مأساة جميلة! أن تقع في حب رجل جامح، عشقه الوحيد هو البحر، وتفوز بقلبه، وفي الآخر يتحطم حبهم بسبب الجدري. هي نفسها ماكانتش تقدر تكتبها أحسن من كده.
      
      نزلت إليزا من سريرها وعبرت غرفة نومها إلى أرفف كتبها الخاصة. والدتها لم تكن تسمح بوضع كتب إليزا في المكتبة. لم تكن تحب أن يعتقد الضيوف أنهم جميعًا يقرؤون "روايات مايعة"، كما كانت تسميها. وضعت إليزا الكتاب مرة أخرى على الرف، بجانب العشرات من الكتب الأخرى التي تملكها.
      
      كل كتب إليزا كان فيها حاجة مشتركة. كلها كانت تدور في مكان بعيد ورومانسي. هي كانت تفضل قصص المغامرات، النوع اللي يخلي خيالها يسرح بعيدًا عن المكان اللي جسمها موجود فيه. كانت بتعشق الرومانسية العاطفية والجامحة اللي بتعيشها الشخصيات. قصص حب بين الطبقات، والرتب، وبين المجرمين والأبرياء. العاطفة والإحساس كانوا بيبقوا أحسن بكتير بالطريقة دي. وكانت تحب إنها تنتهي بمأساة، وبقلب مكسور، وبخسارة.
      
      لم يكن هناك طريقة أفضل للشعور بالحب من الشعور بفقدانه، أو على الأقل هذا ما فهمته من خلال كتبها.
      
      مش وكأن إليزا كانت تعرف حاجة عن ده.
      
      كانت تكره إنهاء أي كتاب. كانت تكره العودة إلى الواقع. الحياة كانت ممتعة أكتر بكتير على متن سفينة قراصنة، أو على جزيرة مهجورة.
      
      حياة إليزا كانت عبارة عن استعراض لا نهائي من الملل. والداها، ربنا يباركلهم، استعادوا ثروتهم، وبسبب كده بقوا في قمة مجتمع بليموث. وده كان معناه حفلات ورقصات مملة بالعشرات مع نفس الرجالة المملين اللي كل همهم زوجة غنية عشان تجيب لهم ورثة.
      
      إليزا بطلت تعدّ كام واحد اتقدم لها ورفضته. هي بصراحة معملتش أي مجهود عشان تلفت الانتباه. هو اللي كان بيلحقها في كل مكان تروحه. والدتها نفسها كانت مستغربة إزاي إليزا دايمًا "مكشرة" في التجمعات الاجتماعية. لكن إغراء الفلوس كان جذاب أكتر من الست اللي معاها الفلوس دي، عشان كده أغلب الرجالة ماكانش يفرق معاهم شكلها إيه، أو بتتصرف إزاي.
      
      كم كانت تتوق للمغامرة. كم كانت تتوق لحياة مثيرة أكتر من حياتها. كم أرادت قرصانًا جريئًا وجذابًا يخطفها إلى أراضٍ بعيدة.
      
      أن تتزوج واحدًا من هؤلاء السادة المملين بشكل فظيع كان قدرها، هي كانت عارفة. كتبها دايمًا كانت بتنتهي كده. لكنها كانت عايزة الرومانسية قبل ما تقبل المأساة! كانت عايزة شغف وخطر وإثارة.
      
      عبرت إليزا غرفة نومها وراحت عند الشباك وقعدت على الكرسي اللي قدامه. غرفة نومها كانت في وضع مثالي يطل على البحر. كانت تقدر تشوف لمسافة بعيدة أوي، كأن الأفق مالهوش نهاية. يا ترى إيه إحساس إن الواحد يبحر ناحية الأفق ده؟ يبحر لأي مكان هو عايزه، ويمشي ورا روحه من غير ما يهتم بالعواقب؟
      
      يا لها من مغامرة حلوة أوي.
      
      إليزا كانت بتبص من الشباك ده بقالها حوالي أربع سنين. البيت اللي هي عايشة فيه دلوقتي كان أكبر بكتير من الكوخ اللي كان عندهم في ويلشاير. كان عندهم أوض كتيرة لدرجة إن أغلبها كان فاضي لأنهم ببساطة ماكانش عندهم عفش كفاية يملوها.
      
      كان عندهم خدم كمان، وعشان كده أوضة نوم إليزا كانت دايمًا متوضبة على الآخر، وده كان شيء بيضايقها جدًا. عمرها ما كانت بتعرف تلاقي أي حاجة.
      
      إليزا كانت فاكرة قد إيه كانت متحمسة لما اتنقلوا لبليموث. بغباء، كانت فاكرة إنها هتكون مغامرة. بليموث مدينة مينا، في الأول والآخر. أكيد هيكون فيه سفن، وقراصنة! كانت متشوقة أوي للمغامرات اللي ممكن تحصل في بليموث.
      
      لكنها كانت غلطانة جدًا. بليموث كانت فعلًا مدينة مينا، لكن هي مابقاش ليها أي علاقة بيه. والدتها رتبت وضعهم بسرعة وسط المجتمع، واتحكم على إليزا إنها تشرب شاي مع ناس هي مش طايقاهم، وترقص مع ناس بتكرهم.
      
      إليزا بينز كانت "لُقطة"، على ما يبدو.
      
      عمرها ما نزلت لرصيف المينا. عمرها حتى ما ركبت سفينة، ناهيك عن إنها تغادر المينا للبحر المفتوح. إيه فايدة البص على المحيط إذا ماكانش المقصود منه التعذيب؟
      
      سندت إليزا راسها على إزاز الشباك واتنهدت. "يومًا ما"، فكرت، "في يوم من الأيام". هي مقدر لها أكتر من اللي والدتها عايزاه لها.
      
      السيدة بينز كانت عايزة لإليزا بالظبط نفس اللي كاتي حصلت عليه. زوج غني وله لقب، وعزبة حلوة شبه القصر، و"عزوة" بتكبر من الأرستقراطيين الصغيرين.
      
      على قد ما كانت بتحب أختها، إليزا كانت تفضل ترمي نفسها من شباك أوضتها على إنها تستسلم للحياة دي من غير ما ييجي حاجة قبلها.
      
      إليزا قالت لوالدتها الكلام ده لما رفضت واحد من العرسان الكتير، لكن السيدة بينز كل اللي عملته إنها وبختها عشان "بتأفور".
      
      كانت دايمًا تقول لها: "بطلي أفورة بقى. إنتي بتهزري. شيلي راسك من الكتب دي وانزلي لدنيا الواقع."
      
      باب أوضة نوم إليزا اتفتح فجأة.
      
      "إليزا!" قالت السيدة بينز بحماس. "تعالي بسرعة. هما وصلوا بدري!"
      
      ابتسمت إليزا ابتسامة صادقة تمامًا. رغم إنها عمرها ما كانت هتتمنى حياة كاتي لنفسها، ده ماكانش معناه إن إليزا ماكانتش بتشتاق لها كل يوم. هما كبروا مع بعض، وكانوا لازقين في بعض من سن تسعة لتسعة عشر سنة. البُعد عن بعض كان إحساسه غلط، ولما كاتي كانت بتيجي تقعد معاهم، كل حاجة كانت بترجع مظبوطة.
      
      إليزا نطت من كرسيها وجريت طلعت من أوضتها، وعدت من جنب والدتها. هي كانت أصغر، وأسرع، من السيدة بينز، وهي تقريبًا طارت لحد السلم اللي بيطل على بهو المدخل بتاع قصرهم الكبير.
      
      
      
      
      وبالفعل، كانت كاتي واقفة هناك، محاطة بزوجها المحب، وابنتيهما الرائعتين. لم تلاحظ كاتي وجود إليزا بعد، وابتسمت إليزا بفخر وهي تشاهد كاتي توجه الخدم بحقائبهم بينما تخلع عباءة السفر عن ليزي الصغيرة.
      
      كانت وقفتها مختلفة الآن. كاتي كانت دايمًا تبدو صغيرة أوي قبل كده. طبعًا، هي مطولتش كتير في القامة، لكن في الاتزان. كانت واقفة بثقة، وكأنها تنتمي للمكان، وهو شيء كانت إليزا تعلم أنها لم تشعر به لسنوات عديدة.
      
      "كاتي!" صرخت إليزا وهي تستأنف سباقها وكادت أن تتعثر وهي نازلة على الدرج الكبير نحو أختها.
      
      صاحت كاتي بسعادة بينما مد هاري يده بحكمة ليأخذ ليزي حتى تتمكن الفتاتان من تحية بعضهما البعض كما يجب. طارت إليزا بين ذراعي كاتي وضمتها إليها بقوة.
      
      لقد مرت شهور منذ آخر مرة كانا فيها معًا. بيني إيفريت كان عندها الجرأة إنها تتجوز وده أخد كاتي وهاري وأطفالهم بعيدًا لعدة أشهر. لكنهم عادوا أخيرًا.
      
      قالت كاتي وهي تحضن إليزا: "وحشتيني أوي!".
      
      مش قد ما إليزا افتقدتها.
      
      ابتعدت كاتي وتفحصت وجه إليزا. "إنتي كويسة؟ كله تمام؟"
      
      عينا كاتي الواسعتان، ذات اللون الأزرق الباهت، لم تخفيا شيئًا. إليزا كانت شايفة إنها قلقانة عليها، ويمكن كان معاها حق. لكن مفيش حاجة كتير تقدر تعملها بخصوص ده. "أيوة،" ردت عليها، "أنا كويسة." هي كانت بصحة جيدة، وبالتالي دي مكنتش كدبة.
      
      كانت السيدة بينز قد وصلت إلى البهو، فلفتت انتباه كاتي. ذهبت كاتي بسرعة لتحضنها، ثم حيّا هاري إليزا.
      
      بدا وكأنه مر دهر، على الوقت اللي كانت والدتها بتخطط فيه إن هاري يكون من نصيبها. مجرد التفكير في أنه كان يمكن أن يتزوج أي واحدة تانية غير كاتي بدا سخيفًا الآن. لم تر من قبل زوجًا مخلصًا أكتر منه، ولا حتى والدها. لكنها استنتجت، أنه لا أحد يستحقه غير كاتي.
      
      "إزيك يا إليزا؟" سأل هاري، وهو يميل ليقبل خدها كتحية.
      
      "كويسة،" ردت. "رحلتكم كانت عاملة إيه؟"
      
      ضحك ضحكة خفيفة. "عمرك سافرتي مع أطفال؟" سألها.
      "لأ."
      "ماتجربيش." ضحك، قبل أن يضم ليزي بمرح.
      
      "طيب خليني أشيل بنات أختي،" حثت إليزا، "قبل ما ماما تخطفهم."
      
      لبى هاري طلبها وأعطاها الطفلة برفق. حسنًا، هي مابقتش طفلة رضيعة أوي. ليزي كبرت كتير منذ آخر مرة رأتها إليزا. بقى شكلها زي شخص صغير دلوقتي!
      
      ما زالت تضحك كلما تفتكر رد فعل السيدة بينز لما اتعمدت ليزي باسم لويزا إليزابيث، وفي الآخر يتقال لها ليزي. السيدة بينز كانت شايفة إن "الليدي لويزا" يبدو جميلًا ورسميًا، و"الليدي ليزي" يبدو "شعبيًا". إليزا كانت متأثرة جدًا في سرها لأنها هي وابنة أختها تحملان نفس الاسم.
      
      ليزي كانت شبه مامتها. عيون تبدو أكبر شوية من اللازم على وشها المدور، ونفس درجة اللون الأزرق المدهشة. إليزا كانت تأمل، رغم ذلك، ألا تكبر عينيها بالكامل أبدًا (أي تظل واسعة). عيون كاتي الواسعة كانت واحدة من أكتر الحاجات اللي إليزا بتحبها فيها.
      
      ريتشل كانت متشبثة في ساق والدها، خجولة شوية عن إنها تتقدم. كانت شبه هاري في الغالب، بشعر بني مموج بشكل مثالي، مربوط بشرايط بيضا، وعيون بنية حذرة، لكنها دافئة.
      
      "ريتشل، إنتي مش فاكرة خالتو إليزا؟" شجعها هاري. "إنتو الاتنين كنتوا أعز أصحاب آخر مرة زرنا فيها."
      
      نزلت إليزا على ركبتيها بحرص وهي ما زالت تحمل ليزي. "لأ، لأ!" أعلنت إليزا. "أعتقد إنك جبت الطفلة الغلط يا هاري. دي مش شكل ريتشل الصغيرة خالص! إنت جبت قرصانة صغيرة وسطنا! بصوا عليها، بعصابة عين وكل حاجة، جاية تسرق ثروتنا!" صرخت إليزا بشكل مسرحي.
      
      بدأت ابتسامة تنتشر على وجه ريتشل.
      
      "أرجوكي، ماتربطيش إيدي، أيتها القرصانة المخيفة. أنا هعمل كل اللي إنتي عايزاه!" وهي تضبط وضع ليزي على خصرها بحرص، مدت إليزا معصميها إلى ريتشل.
      
      فك هاري بسرعة واحدة من شرايط شعر ريتشل وحثها على الذهاب وربط معصمي إليزا ببعضهما. وهي تضحك، تقدمت ريتشل وربت الشريطة حول معصمي إليزا بـ"عوجة".
      
      "أنا بحب لعبة السجينة!" هتفت بحماس، وهي تفتكر لعبتهم.
      
      إليزا كانت بتحب اللعبة دي هي كمان، وكانت مبسوطة إن ريتشل افتكرتها. في زيارتهم الأخيرة، ربطت إليزا نفسهم هما الاتنين في كراسي في المكتبة باستخدام حبال الستاير، وعملوا نفسهم إن أسماك قرش بتحوم حواليهم. طبعًا، أسماك القرش كانت مخدات والدتها الغالية. وعشان كده، كان عليهم، بصفتهم سجناء، يهربوا من أغلالهم، وينطوا على كل سمكة قرش عشان يتأكدوا إنها ماتت.
      
      الريش اللي بيطير من المخدات كان معناه إنهم ماتوا. السيدة بينز مكنتش مبسوطة. لكن ريتشل كانت قضت وقت رائع.
      
      لفت ريتشل ذراعيها حول رقبة إليزا فدفنت إليزا وجهها في شعر ابنة أختها قبل أن تقبل رأسها.
      
      كاتي، وهاري، والسيدة بينز كانوا جميعًا يراقبون تفاعلهم بتعبيرات مستمتعة.
      
      "خلاص، خدتي حضنك يا إليزا. خليني أنا كمان آخد حفيداتي. تعالوا ادوا بوسة لجدتكم، يا ريتشل ولويزا،" نادت عليهما بحماس، وعلى سبيل المزاح.
      
      ذهبت ريتشل إلى السيدة بينز وبعدها أعطت إليزا الطفلة لوالدتها.
      
      "أنا هروح أشوف السيد بينز،" أعلنت كاتي. "أنا متأكدة إنه في مكتبه." ثم التفتت إلى إليزا، وأضافت بهدوء: "إحنا محتاجين نتكلم بجد يا إليزا."
      
      --------
      
      
      وهكذا تبدأ! أتساءل عما إذا كانت إليزا من النوع الذي يستمع إلى النصائح الهادئة والعقلانية، أم أنها ستفعل شيئًا غبيًا ومتهورًا تمامًا؟
      
      الوقت هيقول!
      
      أتمنى أن تكونوا قد استمتعتم بهذه البداية! أنا متحمسة لآخذ إليزا في رحلة، وأساعدها في طريقها إلى أي مكان قد ينتهي بها المطاف إليه ;)
      
      من فضلكم قولوا لي أفكاركم حتى الآن!!
      
      علقوا
      --
      	
      

      رواية طبيبة في الخفاء

      طبيبة في الخفاء

      بقلم,

      تاريخيه

      مجانا

      بنت ذكية في سنة 1833، قررت تتحدى جهل المجتمع بقدرات الستات. عملت خطة مجنونة إنها تتنكر في هيئة راجل عشان تدخل جامعة أكسفورد وتدرس الطب مكان أخوها. الأمور بتمشي تمام لحد ما بتدخل سنتها الأخيرة وتقع في حب الدكتور بتاعها، "هاريسون جراي". المشكلة إنه فاكرها زميله "جيمس" مش "جين"، وهي لو انكشفت هتخسر كل حاجة، مستقبلها وحبها.

      جين

      شايفة إن عيشتها كزوجة أرستقراطية هتبقى زي الموت ليها. طموحها خلاها تتنكر في هيئة راجل وتخاطر بكل حاجة عشان تدرس الطب.

      دكتور هاريسون

      دكتور وسيم وشغوف بالطب، بيدرّس التشريح في الجامعة. "جيه" معجبة بيه جدًا ووقعت في حبه، وهو ميعرفش أي حاجة عن حقيقتها وفاكرها طالب عنده اسمه "جيمس".

      جيمس

      أخو "جيه" الكبير. رغم إنه "بتاع ستات" ومستهتر ومش بتاع تعليم، إلا إنه بيحب أخته جدًا. هو الوحيد اللي عارف سرها وهو اللي ساعدها تاخد مكانه في الجامعة وبيغطي عليها.
      رواية طبيبة في الخفاء
      صورة الكاتب

      الفصل الأول
      
      أكتوبر، 1833
      
      عاشت جيه الصغيرة في عالم من الجهل. كان الرجال من كل الأعمار جاهلين بمواهب الستات. الرجال في عائلتها تقبلوها، وشجعوا ذكاءها وسمحوا لها بحرية التجول في المكتبة، لكن أحلامها امتدت إلى ما هو أبعد من مكتبة قصر إيثريدج. أبعد بكتير.
      
      هي اللي فكرت في الخطة دي بنفسها لما كان عندها سبعتاشر سنة. كانت عارفة إن ده هبل وإنها أكيد هيترمي بيها في السجن بسببه، بس هي كانت عارفة إنها لازم تحاول. كان مؤلم أوي ليها إن حاجة تكون قريبة أوي كده، وفي نفس الوقت بعيدة أوي.
      
      أول واحد قفشها كان جيمس. هي مكنتش ناوية تقول له، ولا لأي حد، بس لما لقاها بتبعبص في دولابه، عرفت إنها لازم تعترف بالحقيقة.
      
      لما بتفتكر ده دلوقتي، جيه الصغيرة قادرة تفهم قد إيه كان صوتها عبيط، ورغم كده جيمس برضه ساعدها.
      
      ده كان في صيف 1829. جيه الصغيرة كانت هربت من واحدة من الحفلات الفخمة اللي أهلها عملوها كجزء من الموسم وطلعت فوق. الخطة كانت بتلف في دماغها بقالها كام يوم، ويا دوب لسه مفكرة في حاجة ممكن تنفع.
      
      فتحت باب أوضة نوم جيمس من غير ما تفكر وحمدت ربنا إنها كانت فاضية. هي مكنتش خايفة إن جيمس يلاقيها ساعتها، هي كانت خايفة أكتر تدخل تلاقي أخوها ومعاه واحدة. أخوها في الوقت ده كان بتاع ستات. جيمس كان كله ثقة، وستات الطبقة الراقية كانوا بيترموا عليه زي الهُبل. مفيش شك إن جيمس كان وسيم، بس هو عمره ما كان هيختار عروسة، إلا لو اتغصب.
      
      هي فاكرة إنها كانت بتفتح ضلف دولاب جيمس بعنف، وسامعة الأُكَر النحاس بتخبط في الحيطان. هي اتخضت ساعتها من الصوت اللي عملته، ومن الشرخ اللي ممكن يكون سابته. وبعدين سألت نفسها هي ليه مروحتش دولاب هنري، عشان عارفة إن هدومه أصغر، واحتمال كبير تيجي على مقاسها. هي هتغرق في بدل جيمس. هي كانت أطول من أخواتها البنات، بس مش بكتير، بس برضه كانت أصغر بكتير من إخواتها الولاد.
      
      شدت بالطو من الدولاب ودخلت دراعاتها فيه. الكِمام كانت طويلة أوي وشكله كان عليها زي الفستان أكتر ما هو سترة. "عبيطة،" همست لنفسها. "إيه اللي خلاكي تفتكري إنك ممكن تعملي كده؟"
      
      هي مكنتش عارفة ليه هي مش قادرة تكتفي بالحفلات والسهرات اللي بتروحها. كيتي كانت كده. كيتي كانت بتزدهر في الأجواء دي. أختها اتولدت عشان تكون من سيدات المجتمع. جيه الصغيرة بقى كانت مختلفة تمامًا. مكنتش زي أختها، آني، اللي كانت مبسوطة إنها اتجوزت صغيرة وبقت زوجة. جيه الصغيرة كانت عارفة إنها هتموت في العيشة دي، مش موت بجد، بس هتحس كأنها دايمًا بتسأل نفسها "طب لو؟" لو هي استسلمت للعيشة دي. جالها كام عرض من رجالة مختلفين بس مفيش ولا واحد فيهم كان ممكن يغريها حتى. رجالة الطبقة الراقية كانوا عايزين زوجات تسمع كلامهم وتقعد ساكتة وهما بيروحوا لستات تانية في السرير.
      
      هي فاكرة إنها اتنططت في مكانها لما الباب اتفتح فجأة. لفت عشان تلاقي جيمس بيضحك، وواحدة ست وراه، بس مكنتش باينة. شافها واقفة عند الدولاب فكشر حواجبه. "جيه الصغيرة؟" سأل.
      
      جيه الصغيرة شالت البالطو بسرعة من على كتافها ورمته في الدولاب وقفلت الضلف عشان تخبيه. "ده مش زي ما أنت فاكر،" قالت بسرعة.
      
      "كريستينا،" جيمس قال للست اللي واقفة وراه. "استنيني في المكتبة، ماشي؟" وبكده قفل الباب وقرب منها بالراحة. "جيه الصغيرة،" قال بحذر. "هو أنتي معندكيش فساتين كفاية؟"
      
      جيه الصغيرة كانت عارفة إن أخوها عارف إن فيه سبب تاني لوجودها في أوضة نومه. "متقولش لماما أو بابا،" اترجته. "أرجوك."
      
      "هو إيه اللي مش هقولهولهم، يا جيه الصغيرة؟" جيمس سأل، وهو مربع إيديه على صدره. عينيه الزرقا الغامقة كانت بتبصلها بتركيز. كان كأن نسخة أصغر من باباها بيستجوبها.
      
      جيه الصغيرة عضت على شفتها اللي تحت بتوتر. هو أخوها ممكن يفتن عليها لو قالتله؟ هو أكيد هيمنعها، فكرة إن ست تعمل اللي هي بتخططله ده كانت حاجة سخيفة.
      
      "جيه الصغيرة،" اتنهد. "لو مش هتثقي في أخوكي، يبقى مش هتثقي في أي حد. قوليلي إيه اللي بيحصل حالاً،" أمرها.
      
      هي عرفت في اللحظة دي إن أخوها عنده حق. على قد ما هي مكنتش حابة تعترف بده، هي مكنتش هتقدر تعملها لوحدها. كان لازم تثق في حد. جيمس كان دايمًا بيخلي باله منها. هو طرد عيال ألكوت من مدرسة الأحد وهما صغيرين بعد ما هاجم المدرس بتاعهم بالكلام عشان طنش أسئلة جيه الصغيرة الفضولية عن الكتاب المقدس. جيمس كان كله على بعضه عنده تمن سنين.
      
      "اوعدني إنك مش هتتعصب،" جيه الصغيرة قالتها ونفسها مكتوم، ومعدتها كانت بتتقطع.
      
      "مش هتعصب، يا جيه الصغيرة،" جيمس رد في ساعتها.
      
      "اوعدني،" أصرت.
      
      
      
      
      
      
      
      جيمس ابتسم بسخرية. "أوعدك."
      
      جيه الصغيرة أخدت نفس عميق، وهي عارفة إنها على وشك تنطق خطتها بصوت عالي لأول مرة. "أنا مش هكون راضية كزوجة لواحد أرستقراطي، يا جيمس، مش هكون. فلو مقدرتش أكون سعيدة كست، يبقى هكون سعيدة كراجل."
      
      جيمس بصلها باستغراب. "جيه الصغيرة... محدش يقدر يغير جنسه،" قال ببطء.
      
      "أنا عارفة كده،" ضحكت بتوتر. "بس الرجالة يقدروا يعملوا اللي أنا عايزاه، ولو مقدرتش أعمله بصفتي، يبقى هعمله كراجل. أنا خلاص اخترعت اسم وقصة خلفية، كل اللي محتاجاه دلوقتي هو لبس مناسب." بعدين، هي أدركت إنها هتحتاج فلوس كمان، حاجة هي محسبتش حسابها في خطتها وقتها. "جيمس، أنا عايزة أروح الجامعة."
      
      عيون جيمس وسعت. شفايفه اتفتحت ودراعاته وقعت جنبه.
      
      في اللحظة دي، جيه الصغيرة صدقت إن أخوها افتكرها مجنونة، وإن كل حاجة خلاص انتهت.
      
      بعد لحظة صمت اتكلم. "يعني، أنتي ناوية تروحي الجامعة لابسة هدومي باسم مزيف، صح؟" هو لخص لها.
      
      نبرة صوته حسستها بالعار من خطتها. هي بجد سخيفة أوي كده؟ مستحيل تكون هي أول بنت ذكية تفكر في طريقة تحسن بيها نفسها. هي برضه مستحيل تكون أول ست تدخل الجامعة... مش إنها يعني هتروح كست.
      
      "هي بجد سخيفة أوي كده؟" سألت بهدوء.
      
      "السخيف يا جين الصغيرة، إنك مجتيليش أنا الأول،" جيمس ضحك. عدى الأوضة وحط دراعه حوالين كتاف أخته الصغيرة. "ده عدل إزاي إني أدخل أكسفورد على طول عشان نوعي وأنا أصلاً معنديش أي اهتمام بالدراسة، وأنتي تقعدي في البيت مستنية التغيير اللي عمره ما هييجي؟" سألها بتفكير.
      
      جيمس كان هيبدأ في أكسفورد في سبتمبر، ودي حاجة أهلهم دبروها عشان يحاولوا يصلحوا سلوكه. جيه الصغيرة حسدت أخوها أوي لما سمعت.
      
      "ده مش عدل!" جيه الصغيرة صرخت. "بس ده مش هيتغير. الستات عمرهم ما هيتشافوا إنهم قادرين أو أذكيا."
      
      "في يوم من الأيام هيتشافوا،" جيمس وعد. "أنا متأكد. يمكن مش في جيلنا، بس في جيل ولادنا أو ولادهم." جيمس طبطب على دراع أخته يطمنها. "أنتي هتاخدي مكاني،" قال فجأة. "خدي مكاني في أكسفورد."
      
      جيه الصغيرة اتجمدت، متأكدة إنها مسمعتش أخوها صح. "نعم؟"
      
      "جيه الصغيرة، هما عمرهم ما قابلوني، معندهمش أي فكرة عن شكلي. لو روحتي هناك في سبتمبر وعرّفتي نفسك على إنك جيمس ألكوت ليه ممكن يشكوا فيكي؟"
      
      من اللحظة دي بقى عند جيه الصغيرة أمل إنها ممكن تنجح. بمساعدة أخوها، ظبطوا كام بدلة من بتوعه عشان يبقوا على قدها لما حشت صدرها. هي كانت لسه راجل صغير ورفيع، بس شكلها كان يدي على راجل. لقوا جزمة طويلة جيمس كبر عليها. كانت لسه كبيرة شوية على جيه الصغيرة بس لما حشوا البوز قماش مبقتش تتزحلق وتتخلع من كعبها وغطوا شعرها الدهبي الطويل بباروكة غامقة
      
      في سبتمبر ده بدأت تدرس الطب، بتتسلل كل يوم عشان تحضر محاضراتها. وفضلت تعمل كده تلات سنين. جيمس كان عامل نفسه بيروح الجامعة، بس هو في الحقيقة كان بيختفي في فنادق أو أي مكان يقدر يلعب فيه كوتشينة ويستمتع بصحبة ست. أخوها متغيرش كتير في رأيه عن الاستقرار، بس هي عمرها ما هتقول إنه شخص وحش. هو إداها الفرصة إنها تكون عظيمة.
      
      دلوقتي إحنا في أكتوبر 1833، وهي كانت في السنة النهائية. التلات سنين اللي فاتوا في الجامعة كانوا أحسن سنين حياتها. هي كانت مزدهرة في التعليم، وكانت بتتعامل كمساوية. الطب كان المجال الوحيد اللي هي عايزة تدرسه أكتر من أي حاجة. هي كان ممكن تستوعب معلومات ملهاش نهاية، وكانت عايزة تستخدمها عشان تساعد الناس.
      
      بس اللي هي معملتش حسابه، كان هو. حتى جيمس ميعرفش عنه حاجة. هو كان دكتور، بس كان بيدرّس تشريح لسنة تالتة ورابعة. الدكتور هاريسون جراي.
      
      أول ما جيه الصغيرة شافته واقف قدام الفصل، جيه الصغيرة افتكرته وسيم. كان وشه مريح وشعره حلو. بس كل ما اتكلم أكتر، كل ما بقى وسيم أكتر. كان شغوف وذكي وكان بجد مهتم إن طلبته يفهموا المسئولية اللي الطلبة هيشيلوها أول ما ياخدوا شهاداتهم.
      
      "محتاجين شخص كويس عشان نأتمنه على سر،" قال في أول درس ليهم. "بس محتاجين شخص عظيم عشان نأتمنه على حياة."
      
      كل كلمة قالها سحرتها أكتر، وقبل ما تاخد بالها، كانت وقعت في حبه ومفيش رجوع.
      
      هي مكنتش عارفة إيه الأسوأ. إنها تكون واقعة في حب المدرس بتاعها، ولا إن المدرس ده يكون فاكر إن نوعها عكس اللي هي عليه في الحقيقة.
      
      بعيدًا عن الأفكار الرومانسية المعقدة دي، هي عمرها ما كانت أسعد من كده.
      
      هي عمرها ما هتقدر تكشف هي مين بجد لأي حد، لو عملت كده هيتقبض عليها. كان فاضل لها سنة، سنة واحدة بس دراسة وهتبقى دكتورة. أخوها هيساعدها تأجر كام أوضة عشان تبدأ عيادة وهي هتحقق أحلامها.
      
      هي كانت محظوظة في خطتها لحد دلوقتي. عدت تلات سنين كراجل في أكسفورد وعدت تلات سنين من غير ما عيلتها تعرف هي بتعمل إيه. كان بيوجعها إنها تخبي حاجة بسطاها أوي كده، بس يوم ما تتخرج، ده هيكون اليوم اللي هما هيعرفوا فيه. هي كانت خلاص هتقول لكيتي، بس هي اعتبرتها إشارة لما مامتها قاطعتهم. اعتبرتها إشارة إنها المفروض تخلي الموضوع لنفسها، واعتبرتها إشارة إنها مش مفروض تعمل أي حاجة ناحية هاريسون.
      
      كان فاضل لها سنة بس. هي تقدر تستحمل سنة.
      
      ----
      
      

      مملكة بلا سلام - رواية تاريخية

      مملكة بلا سلام

      بقلم,

      تاريخيه

      مجانا

      حارس في قصر مملكة تاكوريا، يعيش حياة روتينية مملة بين جدران القلعة، يحلم بالمغامرة والتغيير. الأمير سيتيال، وريث العرش، شخصية قوية وغاضبة، يعيش صراع داخلي بين السلطة والعاطفة. الأحداث تبدأ تتصاعد لما الأمير يختار نيكول بشكل مفاجئ ليكون جزء من خططه الغامضة، مما يقلب حياة الحارس رأسًا على عقب. بين المؤامرات الملكية، الأسرار العائلية، والقرارات المصيرية، يجد نيكول نفسه في مواجهة أكبر من أحلامه. الرواية تكشف عن صراع بين الواجب والرغبة، وبين القوة والحرية.

      نيكول

      حارس القصر، شاب طموح لكنه محاصر في حياة روتينية، يبحث عن معنى لحياته.

      الأمير سيتيال

      وريث العرش، ذكي ودبلوماسي في السياسة، لكن عاطفي ومندفع في حياته الشخصية.

      إدجال

      صديق نيكول المقرّب، شخصية مرحة، يمثل الجانب الخفيف في حياة الحراس.
      مملكة بلا سلام - رواية تاريخية
      صورة الكاتب

      نيكول كان واقف حارس جنب قاعة العرش زي ما بيلاقي نفسه بيعمل كل يوم.
      ومفيش اي حاجة بتحصل.
      زي كل يوم.
      
      عنينه ثابتة على الحيطة الحجرية اللي قدامه.
      نفس الحيطة اللي لازم يبص عليها كل يوم.
      
      في الوقت ده، كان حافظ كل حجر فيها، ولو عنده أي موهبة في الرسم كان يقدر يرسمها من غير ما يبص عليها.
      
      لو عنده موهبة يعني.
      نيكول كان عارف إنه مش المفروض يشتكي. هو قضى وقته، واشتغل لحد ما وصل للراحة جوه القصر، بعيد عن الشمس اللي كانت بتلسعه سنين وهو واقف حارس بره القلعة، لكن برضه ده ما كانش بيشبع الإحساس اللي جواه بالمغامرة، بالإثارة، بالهدف. الشوق المستمر لحاجة أكتر.
      كان عنده وردية كويسة كمان. اللي تقدر تخرج فيها مع صحابك بالليل وتشرب وتنبسط، ويمكن تقابل بنات ممكن يبقى ليهم حاجة أكتر. لكن نيكول برضه كان حاسس بالزهق.
      
      الصبح كان من أوقاته المفضلة. بياخدوا كام ساعة يراجعوا فيها تقنيات القتال. مش المغامرة اللي نيكول بيدور عليها، بس حاجة أحسن من ولا حاجة.
      صوت خطوات معدن رجّع نيكول من أفكاره. وردية الليل وصلت عشان تبدلهم. استنى لحد ما بديله، الحارس العجوز اسمه سينادول، وقف جنبه زي كل يوم، وبعدها نيكول مشي لوحده، ضهره مستقيم، راسه مرفوعة، وخطواته متقنة بشكل مستحيل.
      المملكة بتاعتهم، تاكوريا، كانت معروفة بكثرة الناس، فطبيعي إن الحراس والجنود يكونوا كتير ومتدربين كويس، كل حركة لازم تكون مثالية.
      
      وكل حركة كانت مثالية.
      كل خطوة متساوية، غالبًا في نفس الأماكن اللي كانوا بيمشوا فيها امبارح، واليوم اللي قبله.
      بعد ما غيّر هدومه في غرفة دروع الحراس، نيكول خرج في ظلمة الليل، رايح على طول على الحانة. الهوا البارد كان لطيف وهو بيعدي في هدومه الكاجوال الخفيفة وهو بيجري لقدام، متحرر من وزن المعدن السخن اللي كان لابسه طول اليوم، لكن وقفته لسه مظبوطة، وخطواته لسه محسوبة. كان سهل تعرف إنه حارس في القصر، زي أي حد تاني بيشتغل نفس الشغلانة.
      
      الحانة كانت دافية وزحمة لما نيكول دخل، مليانة ناس خلصوا شغلهم، مسافرين، وأي حد تاني لقى نفسه هناك. في شاعر بيغني على المسرح الصغير، غير اللي بيغني عادة. مش شاطر قوي، بس أحسن من دوشة الكلام اللي مالي المكان.
      نيكول بسرعة لقى إدجال، أعز صحابه، برضه حارس في القصر بس في مكان بعيد عنه شوية. إدجال دايمًا بيوصل قبله لأنه أسرع في تغيير هدومه، وكان قاعد في ترابيزتهم المعتادة، بيكلم البنت اللي بتشتغل في البار واللي دايمًا بتديله شوية مغازلة خفيفة. انتباهه ما اتحركش لما نيكول قعد.
      "إدجال!" نيكول قال وهو متسلي. "يوم طويل في الشغل ومش قادر تديني متعة صحبتك."
      
      إدجال بص عليه، والبنت استغلت لحظة شروده ومشيت تكمل شغلها. بسرعة رجع يبص عليها، عنيه فيها إحباط. "كنت هخلص معاها المرة دي." قال وهو متضايق. "دلوقتي لازم أدور على واحدة تانية."
      "بلاش تعمل نفسك عيل كبير، إنت دايمًا بتلاقي واحدة."
      
      إدجال ابتسم. "صح." وبص على صاحبه. "بس إنت لأ. شايف نفسك هتنجح النهارده؟"
      نيكول اتنهد. رغم إنه صاحبه من سنين، إدجال مش فاهمه قوي. "الموضوع مش موضوع نجاح، أنا بس مش محتاج أرتبط كل ليلة. أغلب الليالي بحب الهدوء والراحة." وده مش كان حقيقي قوي. زي باقي حياته، النوم مع بنات عشوائيين كل ليلة بقى ممل. مش إنه مش بيستمتع، بس مفيش حاجة مثيرة أو مختلفة عن الليلة اللي قبلها، بقى جزء من الروتين. ما بقاش يحمسه زي زمان وهو أصغر.
      
      "إنت بس غيران عشان البنات بتحبني أكتر منك." إدجال قال وهو بيهزر.
      نيكول ضحك بسخرية. ما بين الاتنين، نيكول كان شكله أحلى. البنات كانت عايزاه وغالبًا هما اللي بييجوا عليه، وده حاجة نادرًا ما بتحصل مع إدجال.
      "ما كانش لازم تبقى قاسي كده."
      
      نيكول ضحك، واتكأ على الكرسي. ده كان أحسن جزء في يومه، قاعد في الحانة وبيتكلم مع إدجال. ساعات صحابهم التانيين بينضموا ليهم، ونيكول بيحب الأوقات دي برضه، لكن يمكن وجود إدجال هو اللي بيخلي وقته ممتع. كل كلام بينهم مختلف، ويمكن ده أحسن حاجة نيكول ممكن يطلبها.
      إدجال مال على جنب الكرسي، بيبص على حاجة ورا نيكول. "في واحدة بتبص علينا! أظن إنها مهتمة بيا."
      
      
       
      
      نيكول بص وراه، شاف بنت صغيرة شكلها حلو قاعدة مع صاحبتها. الاتنين ضحكوا لما نيكول بعت لهم غمزة في اتجاههم.
      
      "إيه ده! مش عدل!" إدجال قال وهو متضايق لما شاف إن انتباههم اتحول له.
      
      نيكول ضحك تاني. "متأكد إنهم لسه هيبقوا مبسوطين لو ناموا معاك."
      
      إدجال بص له بنظرة عدم تصديق مش مسلية. "مش بعد ما شافوا وشك الغبي."
      
      "ياااااه، عندك مميزات كتير. ليه ما تطلعش على المسرح مع الشاعر وتخليهم يقعوا في غرام صوتك الرائع؟" إدجال كان صوته في الغنا وحش جدًا.
      
      مرة، نيكول خلاه يشرب لحد ما سكر، وفعلاً طلع مع الشاعر على المسرح، وابتدى يغني كلام مالوش أي معنى، بصوت بيطلع وينزل في النغمة وملل في نفس الوقت. مش إن نيكول أحسن، هو كمان كان صوته وحش في الغنا.
      
      "وتسيبك تروح تكلمهم؟ أراهن إن في آخر الليل هيبقوا بيتخانقوا عشان يقعدوا في حضنك."
      
      نيكول بص وراه تاني بسرعة. "أظن إنهم بالفعل كده." البنات كانوا بيبصوا لبعض وبيتكلموا بهدوء، وعنيهم بتيجي على ترابيزة نيكول كتير. "أنصحك تسرع قبل ما فرصتك تضيع."
      
      "إيه، إنت مش عايز النهارده؟"
      
      نيكول هز راسه، وأشار لإدجال يقوم.
      
      "أرجوك؟ لو خدت واحدة منهم التانية غالبًا هتكون أكتر استعداد إنها تيجي معايا." نيكول هز راسه تاني وأشار له يقوم. إدجال تنهد وهز راسه. "أحيانًا نفسي أشوف إيه اللي بيدور في دماغك." رفع إيده وخبط بخفة على شعر نيكول قبل ما يقوم. نيكول رفع إيده بسرعة ورجع شعره زي ما كان. على عكس إدجال، هو عمره ما اهتم بشكله إلا لو عشان الشغل.
      
      بص وراه تاني على صاحبه، اللي كان بيتكلم مع واحدة من البنات. التانية، اللي كانت أصلاً بتبص عليهم، رجعت بصت على نيكول، وقابلت عنيه بابتسامة صغيرة. خايف إنها تكون فهمت التواصل بالنظر كدعوة إنها تيجي، نيكول قام وخرج من الباب.
      
      الهوا في الليل بقى بارد، خلا نيكول يحضن نفسه وهو ماشي في الشارع. كل الحراس كان ليهم أماكن في القلعة، لكن اللي بقالهم فترة أو عندهم عيلة ساعات بينقلوا بره. نيكول كان نفسه يبقى واحد منهم، لكن ده محتاج إذن خاص من رئيس الحرس أو لورد معروف أو حد من العيلة الملكية، وهو كان حاسس إنه محتاج سبب قوي عشان يطلب ده من حد. لكن كان نفسه يغير المشهد، يمكن ده يخفف كرهه لحياته.
      
      رجع القلعة ودخل مكانه. كان أحسن من أماكن الخدم لكن مش بنفس جمال أماكن الفرسان. نيكول كان نفسه يبقى من أصل نبيل، ساعتها كان عنده فرصة يبقى فارس، والفرسان كانوا بيطلعوا مغامرات طول الوقت.
      
      دخل السرير، وبص في السقف اللي بالكاد باين في الضلمة.
      
      لو الحاجة ما اتغيرتش قريب، هو هيغيرها.
      
      لكن كان عارف إن ده تهديد فاضي، نفس اللي بيقوله كل ليلة.
      
      نيكول نام، مستعد إن اليوم اللي بعده يبقى زي كل يوم قبله.
      
      ---
       
      
      صوت صراخ مكتوم ملأ المكان.
      
      كان واضح إن فيه جلبة بتحصل جوه قاعة العرش.
      
      يمكن حارس جديد أو حارس من مملكة تانية كان هيبقى أكتر يقظة أو قلق، لكن نيكول، ومعاه باقي الحراس، كانوا في منتهى الهدوء، أو على قد ما يقدروا وهما في الخدمة.
      
      الصراخ كان حاجة عادية.
      
      على الأقل لما يكون الموضوع متعلق بالأمير.
      
      الأمير سيتيال كان شخصية غريبة، زي ما أي حد بيشتغل في القصر يقدر يشهد. كان صوته عالي وسريع الغضب، بياخد اللي عايزه وقت ما يحب، ولو حد حاول يمنعه كان بيخلي حياته جحيم. ده كان بيشمل حتى أهله، الملكة اللي ماتت والملك، اللي كانوا دايمًا في وش غضبه.
      
      الناس اللي مش من العيلة الملكية، ونيكول منهم، كانوا شايفين الأمير مدلل ومش متحكم في نفسه، ومش المفروض يكون عنده حرية وسلطة بالشكل ده. لكن ولا حد قال له الكلام ده.
      
      مش إنه كان أمير سيئ. في الأمور الملكية كان ممتاز. كان بيحمل نفسه زي الملوك وبيعرف يكون دبلوماسي. كان ذكي جدًا في الأمور اللي تخص الممالك التانية أو مملكته، أو زي ما نيكول سمع. المشاكل الشخصية كانت حاجة تانية. لما مشكلة زي دي تطلع، كان معروف إنه بيبقى صوته عالي وعنيف، زي ما نيكول متأكد إنه بيعمل دلوقتي.
      
      هو حتى مش عارف المشكلة إيه النهارده. ومش فارق له يعرف. كان دايمًا كل يومين الأمير بيقتحم قاعة العرش ويزعق لأبوه. كان درامي جدًا.
      
      ودايما كانت بتنتهي إن الأمير يفتح الباب بعنف ويجري على أوضته. نيكول كان دايمًا واقف في الناحية اللي لازم يعدي منها عشان يوصل هناك. نيكول كان مبسوط إنه بعيد كفاية عن مكتب الملك عشان ما يسمعش حاجة من هناك، لأنه متأكد إن الأمير بيعمل نفس الشيء هناك، لكن الصراخ الكتير ممكن يجيب له صداع.
      
      دي كانت من أكتر اللحظات المثيرة في يوم نيكول لما الأمير يعدي قدامه وهو غضبان. هو مش مسموح له يحرك عنيه إلا لو فيه خطر، فبيشوفه ثانية قبل ما يختفي من نظره. كان مضحك بالنسبة له، يشوف حد قوي جدًا، غضبان، رايح أوضته عشان زعلان.
      
      صوت الأمير علي. كان أعلى من المعتاد، وده بيبين إن اللي مزعله النهارده حاجة كبيرة بالنسبة له.
      
      عادة، لو نيكول ركز قوي، كان ممكن يسمع الكلمات اللي بيقولها الأمير، لأنها دايمًا عالية كفاية عشان تتسمع بصعوبة، لكنه غالبًا ما كانش بيعمل كده لأنها ما كانتش حاجة مثيرة بالنسبة له، وكمان كانت بتوجع ودنه ودماغه بعد شوية، لكن مع الصوت العالي النهارده، الكلمات كانت أوضح من المعتاد.
      
      "لمجرد إن الغريب ده حصل إنه يكون—"
      
      "كفاية!"
      
      نيكول قاوم رغبة قوية إنه يتحرك من مكانه. الأمير دايمًا بيزعق، لكن الملك عمره ما زعق له قبل كده. لحد دلوقتي. دلوقتي نيكول بقى مهتم جدًا. للأسف، أصواتهم هديت تاني بعد ما الملك انفجر، لدرجة إنه حتى لو حاول يسمع مش هيعرف. وحاول.
      
      من غير أي إنذار، الباب اتفتح بعنف. من صوت الخبطة كان واضح إن اللي فتحه هو الأمير. صوت خطوات عالية في الممر، لكن مش بنفس السرعة المعتادة، كأنه مستني حاجة... أو بيدور على حاجة.
      
      نيكول فهم ده بس لما الأمير سيتيال ظهر قدامه، عنيه بتمسح الحارس بنظرة ناقدة، والغضب لسه على وشه. نيكول كان نفسه يبص له باستغراب، لكن عنيه فضلت ثابتة، متدربة على النظر لقدام، واللي كان بالصدفة وش الأمير.
      
      هو عمره ما شاف وشه قبل كده كويس، لكن ده ما كانش اللي بيفكر فيه، السؤال الوحيد كان ليه بيبص له، وليه بالغضب ده. هل هو عامل حاجة غلط؟ هل درعه مش مظبوط أو فيه خبطة؟
      
      أسئلته ما اتجاوبتش، بل زادت لما الأمير اتكلم. "هتنفع." قالها بهدوء، كأنه بيكلم نفسه. وبعدين مد إيده، مسك إيده، ولف، وكمل مشيه الغاضب.
      
      ---
      
      

      قصه ألورا ومغامراتها

      مغامرات ألورا

      بقلم,

      تاريخيه

      مجانا

      حياة ألورا، البنت اللي عايزة تعيش حياتها على مزاجها وتستمتع بالملذات بعيد عن قيود زمانها. بتدور الأحداث في وينشستر وبين الناس اللي بيحكموا السلطة والمجتمع الصارم. ألورا قوية وذكية، بتعرف تستخدم ذكاءها وجمالها عشان تاخد اللي هي عايزاه. الرواية فيها حبكة سياسية وعاطفية، وكمان شوية مغامرات مع أوهترِد ورجاله. القارئ هيشوف صراعات بين الواجب والرغبة، وبين الحرية والقيود، وكل ده بأسلوب مشوق ومليان حياة.

      ألورا

      فتاة ذكية وجريئة بتحب المتعة وبتعيش حياتها على مزاجها، عندها ذكاء اجتماعي عالي وبتعرف تتصرف في أي موقف.

      آثلريد

      أخو ألورا، شخص محافظ، ما بيهتمش بأختو زي ما المفروض، مهتم بالسياسة أكتر من العائلة.

      ثيرا

      زميلة ألورا في البيت، مؤمنة بالآلهة الوثنية، لطيفة وهادئة، بتحب ألورا زي أختها.
      قصه ألورا ومغامراتها
      صورة الكاتب

      ✣✣✣
      
      ألورا كانت أخت آثلريد، وكانت تتمنى لو لم يكن الأمر كذلك. والدها، آثلولف من ميرسيا، لم يكن رجلاً طيباً معها. منذ اللحظة التي نزفت فيها لأول مرة، حاول بيعها مثل فرس للتربية، لكن ألورا كان لها خطط مختلفة. إذا كان هناك شيء واحد تبحث عنه في حياتها، فهو المتعة، وكانت ستحصل عليها من أي شخص يقدمها لها.
      
      كانت أول مرة لها مع صبي الإسطبل، الفتى المسكين الذي وجد نفسه غارقاً في الأمر عندما عرض عليه. ألورا كانت تبلغ من العمر ستة عشر عاماً آنذاك، وبدأت تكاد تصبح امرأة، وصبي الإسطبل كان يقترب من عيد ميلاده الثامن عشر، وهو شيء لم يكن يستطيع الانتظار له حسب ما قال لها. دفعت به إلى التبن في الإسطبل قبل أن تعاملها كفرس وركبته حتى وصلت إلى ذروتها، لم تكن تهتم كثيراً بما يحدث للفتى، وبحلول الوقت الذي ضبطت فيه فستانها، كانت قد وقعت في قبض والدها.
      
      منذ ذلك الحين، لم يرغب أي رجل فيها، ومع ذلك استمرت ألورا في التمتع بكل المتعة. كانت معروفة بإمتاع الرجال لأجل متعتها الخاصة، وبدأ الكثيرون يهمسون بأنها ساحرة أو عابدة للشيطان،
      
      وأن أي رجل ينام معها سيقابل الموت قريباً. لكن العديد من الرجال الذين ناموا معها عاشوا، مما جعل كل واحد منهم يبدو سخيفاً. لم تكن سوى امرأة خارجة عن زمانها، تستمتع بملذات الحياة.
      
      تركها والدها، الذي توفي قبل زيارة إلى ويسكس، إلى وينشستر. كانت قد ذهبت مع شقيقها بأمر من السيد الأعلى لهما، سيولوولف، لكن هذا لم يدم طويلاً عندما توفي الرجل المسكين فجأة. لم يكن لألورا مكان آخر تذهب إليه، وشقيقها لم يكن شخصاً يساعدها كثيراً، لم تهتم به كما ينبغي لأخت، وكان السبب في الغالب أن بينما كانت تبحث عن المتعة من الأشخاص المستعدين لمضاجعتها، لم يفعل آثلريد ذلك.
      
      استفادت من وضعها في وينشستر، وعملت كخادمة في بيت الخمر. كانت تساعد في التنظيف، مما أكسبها ما يكفي من النقود لتشارك بيتاً صغيراً مع ثيرا، 
      
      التي عانت من وصمة العار لدى معظم الناس في وينشستر لأنها كانت تؤمن بآلهة الوثنيين، لكن ألورا لم تكن تهتم بأي إله أو آلهة تدعو إليها، كانت تجد آلهة الدنماركيين أكثر متعة وإثارة للاهتمام، لكن اليونانيين القدماء كان لديهم بعض الآلهة الجيدة أيضاً. كانت تصلي في الغالب من أجل صحتها ولألا تحمل.
      
      
      
      كانت تريد ملذات حياتها، وليس أن تثقل نفسها بطفل لم تريده أبداً.
      
      كانت صديقة جيدة ولطيفة لثيرا، التي كانت تقضي معظم وقتها مع الأب بيكا، وكانت ألورا دائماً تمازحهما، لأن الأمر كان واضحاً أنهما يحبان بعضهما البعض، لكن لا أحد منهما تصرف بناءً على ذلك.
      
      "سمعتوا إن اللورد أوهترِد راجع؟" قال بعض الرجال الذين يزورون بيت الخمر لبعضهم البعض. "في ناس قالوا شافوه راكب إلى وينشستر، لاستقبال آثلريد والموافقة على اتحاد ميرسيا وويسكس" قال آخر، وألورا دارت عينيها. لم يكن الاتحاد أكثر من صراع للسلطة من جانب شقيقها.
      
      "رأيك إيه يا خادمة؟" قال رجل من طاولة أخرى، بلكنة أيرلندية، وهو يرفع كوبه لتملأه. "أنا مش بتقبض عشان أفكر، سيدي الطيب" قالت ألورا، وهو ابتسم لها. "طيب هل بتقبضي على المتعة اللي بتديها للرجال دول؟" سأل، فالتفتت له، مستندة يدها على الطاولة. 
      
      "عندي قاعدتي الخاصة" قالت وهي تنظر للرجل الذي نظر إلى رفاقه. الرجال كانوا أقرب للدنماركيين من الساكسونيين، لكنها لم تهتم.
      
      "لو قدر رجل يسعدني كويس، مش هيدفعلي" قالت ألورا وهي تغمز للرجل قبل أن تكمل عملها بينما رفاقه يضحكون. قرب نهاية يوم عملها، اقترب نفس الرجل مرة أخرى. "يعني لو قدرت أسعدك، مش هادفع؟" سأل إذا كان فهم مقصدها. "بالضبط" قالت ألورا وهي تنظف الطاولات. "تمام، خليني أجرب" قال، فأضحكت ألورا.
      
      "سيدي الطيب، الجملة دي بس بتوريني إنك مش قدها" قالت ألورا. "تخيل تجيب كلمة فاضية زي دي؟" قالت ألورا. "غير كده، حتى معرفش اسمك" قالت ألورا. "أنا فينان" قال. هزت ألورا رأسها وتحولت نحوه. "فنان، المتعة، أنا ألورا من ميرسيا" قالت وفنان بدا مرتبكاً أكثر. "أخت آثلريد؟" سأل، لقد أخبره أوهترِد عن زواج إيتلفلاد وآثلريد، واسم أخت آثلريد التي يُشاع أنها قتلت على يد الدنماركيين.
      
      "نعم، للأسف" قالت ألورا ونظرت إلى الرجل. "ليه ده يبدو مهم بالنسبة لك؟" سألت، مستعدة لمواجهته إذا لزم الأمر. "سيدي قال لي عنك" قال فينان، وألورا أومأت. "مين سيدك؟" سألت. "أوهترِد من بيبانبرغ" قال، وفوجئت بسرور.
      
      مهمة فينان لمحاولة النوم مع خادمة بيت الخمر نسيت تماماً وهو يتحدث معها، وكلما تبادلا الكلمات، قل اهتمامه بذلك. تحدثت ألورا بذكاء عالي لم يسمعه من معظم الناس، حتى اللوردات لم يتحدثوا بهذه الحكمة.
      
      
      
      
      "ليه شغالة هنا؟" سأل فينان أخيراً بينما كانت ألورا تغلق بيت الخمر، والشمس تكاد تشرق. "اتركت هنا من أخي، وكامرأة ليس لدي أي مهارات قد يحتاجها أحد" قالت ونظرت إلى فينان. "ده، وكمان إن أخي نشر إشاعة أني عابدة للشيطان" قالت.
      
      نظر فينان إليها. "فعلاً؟" سأل، وضحكت. "لأ، أنا أستمتع بملذات الحياة، وأرضي نفسي برفقة الرجال والنساء، ولذا يدينني كثيرون، سيدي" قالت ألورا، وبدا عليها الحزن قليلاً.
      
      "سافري معانا، لو في حد يعرف معنى الإدانة، فهو سيدنا أوهترِد" قال فينان. "ليه؟ بيحب ينام مع رجال ونساء؟" ضحكت ألورا، لكن فينان هز رأسه. "لأ، الناس شايفينه بلا دين، اتولد ساكسوني وتربى دنماركي" شرح فينان. "مش بلا دين، عنده آلهة كتير يختار منها" قالت ألورا. "كنت أحب أسافر معاكم، لكن مش عايزة أسيب زميلتي في البيت، ثيرا، لوحدها" قالت ألورا.
      
      "ثيرا؟ زميلتك في البيت؟" سأل فينان، وكأن كل حاجة في الكون بتتجه للقائهما. "أيوه، ليه؟" سألت ألورا وهي تمشي لبيتها. "ثيرا أخت أوهترِد" قال فينان، وألورا أومأت، ووجدت الصدفة مضحكة.
      
      "يمكن أشوفك أكتر الأيام الجاية" قالت قبل أن تختفي بطريقة ما، تاركة فينان مرتبكاً. ربما كانت ساحرة، لكنها كانت ألطف واحدة.
      
      عندما دخلت ألورا بيتها، كانت ثيرا مستلقية بالفعل على سريرها. "مفيش مغامرات منتصف الليل الليلة؟" سألت ثيرا، وهي شبه ناعسة وتنظر إلى ألورا التي تحمل شمعة لتضيء الطريق في البيت الصغير. "كان عندي نوع مختلف من المغامرة" قالت ألورا، تنظر لثيرا. "قابلت رجل قال إنه يعرف أخوك، أوهترِد" قالت ألورا، ونظرت ثيرا إليها. "قابلت مين؟ فينان ولا سيهترك؟" سألت ثيرا. "فنان، كان طيب، بس شوية متكبر في الأول" قالت ألورا وهي تغير ثوب النوم الخاص بها وتستلقي في سريرها قبل أن تطفئ الشمعة.
      
      "عرض عليا أسافر معاهم" قالت ألورا لها. ثيرا صمتت ولم ترغب في أن تقول لها يجب أن تأخذ العرض، لأنها كانت ستبدو أنانية. كانت تحب ألورا أن تذهب مع أوهترِد ورجاله، يعني أنها يمكن أن تعيش مع بيكا وتتزوج منه، ولن تضطر للقلق على صديقتها.
      
      "سكوتك مزعجني يا ثيرا" قالت ألورا، ملحوظة أن الشابة صمتها غريب. "بيكا طلب يتجوزني" قالت ثيرا. "سفرك مع أوهترِد هيضمنلك حماية" قالت ثيرا. "عشان تحبي تبعديني عن طريقك؟" سألت ألورا. "لأ! عشان هعيش مع بيكا ومش هاضطر أقلق على صديقتي العزيزة. ألورا، إنتي زي أختي" قالت ثيرا، وابتسمت ألورا. "ألف مبروك على جوازك يعني" قالت ألورا، ونظرت للسقف. "هفكر في الموضوع" وعدت ألورا.
      
      وفعلت، طوال الليل كانت تفكر في الخيار. السفر مع أوهترِد، اللي هو نفسه منبوذ، أو البقاء في وينشستر والسماح للناس بالكلام عنها كما كانوا يفعلون. وبالإضافة لذلك، كانت تقريباً مرت بكل متعة ممكنة هناك، لم يتبقَ متعة جديدة في وينشستر.
      
      في الصباح اتخذت قرارها، أن تسأل إذا كان بإمكانها الانضمام إلى أوهترِد في رحلاته القادمة. خرجت من البيت بحثاً عن من يُدعى بلا دين، وعندما رأت فينان جالساً مع ثلاثة آخرين، ابتسمت لاستعادة ثقتها.
      
      
      
      "لو مش كده، خادمتي" قال فينان عندما اقتربت ألورا، كانت ترتدي فستاناً فاخراً لشخص يعمل في بيت الخمر، لكنها كانت تكسب من الرجال بما يكفي، وما زال لديها بعض المال في جيبها بعد أن تركها شقيقها.
      
      "أهلاً، فينان" قالت بابتسامة للرجل الأيرلندي. "عاهراتك الجديدة، فينان؟" قال أحدهم، واختفت الابتسامة من وجه ألورا. وقف فينان للدفاع عنها، لكنها مدت يدها على كتفه ودفعته للأسفل مرة أخرى.
      
      "مش محتاجة تدافع عني، فينان، أنا عارفة أنا مين وواضح إنه عنده مشكلة مع ده" قالت ألورا وهي تنظر للرجال. ابتسم فينان لها. الرجل اللي أهانها، آثلولد، لم يعجبه ردها. "مش لازم أتحمل ده من عاهرة" قال، وهو يخطو خطوة للأمام.
      
      "أوه، أصلاً مش قادر تدفعلي، ولا لأي عاهرة تانية، عشان كده تعيس؟ عشان هتتضايق؟" سألت ألورا، وابتلع آثلولد لسانه وهو ينظر لألورا، التي أضحكت أوهترِد وفنان وسيهترك. قبل أن يتمكن آثلولد من الإهانة مرة أخرى، تكلم أوهترِد.
      
      "ايه اللي محتاجه؟" سأل. "كنت عايزة أسافر معاكم، شفت كفاية من وينشستر، دلوقتي زميلتي هتتجوز، أحب أشوف أماكن تانية.
      
      لو محتاجني أقاتل، هاعمل" قالت ألورا، واضعة يديها أمامها. نظر أوهترِد لفنان وسيهترك وأومأوا له.
      
      "تمام، بس هاتكوني مسؤولة عن نفسك" قال أوهترِد، وألورا أومأت بالموافقة، وكان هذا بداية مغامرتها الصغيرة مع أوهترِد من بيبانبرغ.
      
      ✣✣✣
      
      مقدمة صغيرة عن كيفية انضمام ألورا للمجموعة قبل لقاء الراهب الصغير
      

      Pages